وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَاطِعٌ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ وَغَيْرُ مَحْسُوبٍ فِيهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ غَالِبٌ وَالنِّفَاسَ نَادِرٌ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَوَانِعِ.
فَأَمَّا الصِّغَرُ: فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الِافْتِضَاضِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ كَانَ زَمَانُهُ مَحْسُوبًا، وَإِنْ كَانَ مَانِعًا مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ حَتَّى يَصِيرَ عَلَى حَالٍ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا فَيُسْتَأْنَفَ لَهُ التَّرَبُّصُ.
وَأَمَّا الْمَرَضُ فَإِنْ أَمْكَنَ مَعَهُ إِصَابَتُهَا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَبَهَا كَانَ زَمَانُهُ مَحْسُوبًا فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ إِلَّا بِضَرَرٍ يَلْحَقُهَا كَانَ زَمَانُهُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى مَا لَا يَلْحَقُهَا مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ فَتُحْتَسَبُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنَ المواضع الَّتِي لَا يُحْتَسَبُ بِزَمَانِهَا فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، فإذا زالت استؤنفت مدة لتربص وَلَا شَيْءَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا قَبْلَ الموانع وبطل الماضي من مدة التربص بالمواقع الطَّارِئَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْظَرَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَاقْتَضَى إِطْلَاقُهَا التَّتَابُعَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ كَمَا اقْتَضَاهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَصَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ يَبْطُلُ مَا تَقَدَّمَهُ بِتَرْكِ التَّتَابُعِ فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِ الِاخْتِيَارِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَخَالَفَ فِيهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ إِلَى تَلْفِيقِ التَّرَبُّصِ وَالْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى قَبْلَ الْمَوَانِعِ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حُدُوثُ الْمَوَانِعِ فِي زَمَانِ الْمُطَالَبَةِ لَا يُسْقِطُ مَا مَضَى مِنْ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ كَذَلِكَ حُدُوثُهَا فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لَا يُسْقِطُ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْهَا وَهَذَا فَاسِدٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أنَّ مُوَالَاةَ الْمُدَّةِ بِحُدُوثِهِ بَعْدَهَا مَوْجُودٌ وَمُوَالَاتَهَا بِحُدُوثِهِ فِي تَضَاعِيفِهَا مَعْدُومٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى الزَّوْجُ حَقَّهُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَهَا وَمَا اسْتَوْفَاهُ بِحُدُوثِهِ فِي تَضَاعِيفِهَا.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِذَا كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفِيءَ فَيْءَ جِمَاعٍ أَوْ فَيْءَ مَعْذُورٍ وَفَيْءَ الْحَبْسِ بِاللِّسَانِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِذَا آلَى فَحُبِسَ اسْتُوقِفَتْ بِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ متتابعة (قال المزني رحمه الله) الحبس والمرض عندي سواء لأنه ممنوع بهما فإذا حسبت عليه في المرض وكان يعجز عن الجماع بكل حال أجل المولى كان المحبوس الذي يمكنه أن تأتيه في حبسه فيصيبها بذلك أولى) .