(الوقف من كتاب الإيلاء ومن الإملاء)
(على مسائل ابن القاسم والإملاء على مسائل مالك)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (إِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ لِلْمُولِي وُقِفَ وَقِيلَ لَهُ إِنْ فِئْتَ وَإِلَّا فَطَلِّقْ وَالْفَيْئَةُ الْجِمَاعُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ فَيَفِيءُ بِاللِّسَانِ مَا كَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنَ الضِّرَارِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْمُولِي قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهِيَ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ كَانَ الْخِيَارُ إِلَيْهَا فِي مُطَالَبَتِهِ وَتَرْكِهِ فَإِنْ طَالَبَتْ كَانَ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَ تعالى {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226] فَأَيَّهُمَا فَعَلَ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَتُهُ بِالْآخَرِ فَإِنْ طَلَّقَ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بِالْفَيْئَةِ، وَإِنْ فَاءَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بِالطَّلَاقِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي صِفَةِ الطَّلَاقِ، وَأَنَّهُ رَجْعِيٌّ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهَا.
وَأَمَّا الْفَيْئَةُ فَهِيَ الْجِمَاعُ لِأَنَّ الْفَيْءَ فِي اللُّغَةِ الرُّجُوعُ إِلَى مَا فَارَقَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أَيْ تَرْجِعَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَهُوَ بِالْإِيلَاءِ مُمْتَنِعٌ مِنَ الْجِمَاعِ فَكَانَتِ الْفَيْئَةُ الرُّجُوعَ إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْفَيْئَةُ الرُّجُوعَ إِلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ عَاجِزًا عَنْهُ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ فَايِئًا إِلَّا بِجِمَاعٍ، وَأَقَلُّهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَفِيءَ فَيْءَ مَعْذُورٍ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَسْتُ أَقْدِرَ عَلَى الْوَطْءِ وَلَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ لَفَعَلْتُهُ، وَإِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ فَعَلْتُهُ فَيَقُومُ فَيْئُهُ بِلِسَانِهِ فِي حَالِ عُذْرِهِ فِي إِسْقَاطِ الْمُطَالَبَةِ مَقَامَ فَيْئَتِهِ بِوَطْئِهِ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَلْزَمُهُ الْفَيْئَةُ بِاللِّسَانِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهَا بِالْوَطْءِ، وَيُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ إِلَى زَوَالِ الْعُذْرِ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ فِي حَالِ الْعُذْرِ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ لَمَا لَزَمَهُ الْفَيْئَةُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ لِسُقُوطِ الْحَقِّ بما تقدم.