وَهَذِهِ دَلَالَةُ الشَّافِعِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ تَحْرِيمَ الِاسْتِمْتَاعِ بِلَفْظٍ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ كَالظِّهَارِ.
فَأَمَّا اعْتِبَارُ مَالِكٍ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِزَالَةُ مِلْكٍ وَالْحَرُّ وَالْعَبْدُ يَخْتَلِفَانِ فِي الْمِلْكِ فَاخْتَلَفَا فِي إِزَالَتِهِ، وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ مَوْضُوعَةٌ لِرَفْعِ الضَّرَرِ لَا لِإِزَالَةِ الْمَالِكِ، وَالضَّرَرُ يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فَاسْتَوَيَا فِي مُدَّةِ إِزَالَتِهِ.
وَأَمَّا اعْتِبَارُ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْعِدَّةِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ اسْتِبْرَاءً وَتَعَبُّدًا، فَالِاسْتِبْرَاءُ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ تَشْتَرِكُ فيه الحرة والأمة، والقرآن الزَّائِدَانِ تَعَبُّدٌ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ كَالْحُدُودِ، فاختصت الأمة بنصفة وهو أحد القراءين فصارت عدتها تعبداً واستبراء قراءين، وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ مَوْضُوعَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رَفْعِ الضَّرَرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ، وَاللَّهُ أعلم.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَتْ قَدِ انْقَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وَقَالَ لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَادَّعَتْهَا وَأَنْكَرَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ، فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ بَقَائِهَا، وَفِي شَكٍّ مِنَ انْقِضَائِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَلِفٌ فِي وَقْتِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الزَّوْجِ فَكَانَ قَوْلُهُ فِيهِ أَثْبَتَ كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْأَصْلَ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ، وَهِيَ تَدَّعِي مَا يُخَالِفُهُ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الْفُرْقَةِ.
(مسألة:)
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ آلَى مِنْ مُطَلَّقَةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا كَانَ مُولِيًا مِنْ حِينِ يَرْتَجِعُهَا وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ رَجْعَتَهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَكِلَا النَّقْلَيْنِ صَحِيحٌ وَهُمَا مَسْأَلَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يُولِيَ مِنْ مُطَلَّقَةٍ يَمْلِكُ رَجَعَتْهَا فِي الْعِدَّةِ، فَالْإِيلَاءُ مِنْهَا فِي عِدَّتِهَا مُنْعَقِدٌ، لِأَنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الرَّجْعَةِ مِنَ التَّوَارُثِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ فَكَذَلِكَ الْإِيلَاءُ، وَإِذَا انْعَقَدَ إِيلَاؤُهُ نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْ سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِالطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ، وَإِنِ اسْتَقَرَّ الْإِيلَاءُ وَاسْتُحِقَّتِ الْمُطَالَبَةُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَدْ رَفَعَتْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا اسْتَقَرَّ إِيلَاؤُهُ بِالرَّجْعَةِ كَانَ أَوَّلُ مُدَّةِ الْوَقْفِ مَنْ وَقْتِ الرَّجْعَةِ لَا مَنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ.