هَذَا مَسْجِدًا عَظِيمًا لَهُ إِمَامٌ رَاتِبٌ بِوِلَايَةٍ سُلْطَانِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ دَخَلَهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَتِهِ، وَلَا أَنْ يَجْهَرَ بِالْأَذَانِ بَعْدَ أَذَانِهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَقِّ الْعَصَا وَخَوْفِ التَّقَاطُعِ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا مِنْ مَسَاجِدِ الْمَحَالِّ وَالْأَسْوَاقِ الَّتِي يَؤُمُّ فِيهَا جِيرَانُهَا جَازَ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ جَمَاعَتِهِ، وَالْجَهْرُ بِالْأَذَانِ بَعْدَ أَذَانِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأُحِبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ وَلَا تُؤَذِّنَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَجْزَأَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا كَرِهَ الْأَذَانَ لَهَا، وَاسْتَحَبَّ الْإِقَامَةَ لِرِوَايَةِ الْحَكَمِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إِقَامَةٌ، وَلَا جُمُعَةٌ، وَلَا اغْتِسَالٌ لِلْجُمُعَةِ، وَلَا تَقَدَّمَهُنَّ امْرَأَةٌ، لَكِنْ تَقُومُ وَسْطَهُنَّ " وَعُنِيَ بِالْإِقَامَةِ مَا يفعله مؤذنوا الجماعة من الجهر بها، ولأن الأذان دعاه مَنْ غَابَ وَبَعُدَ، وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنِ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ مَأْمُورَةٌ بِلُزُومِ الْمَنْزِلِ وَصَلَاتُهَا فِيهِ أَفْضَلُ، وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَهِيَ اسْتِفْتَاحُ صَلَاةٍ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَاسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَاسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الإحرام.
: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَالْعَبْدُ فِي الْأَذَانِ كَالْحُرِّ ".
فَاحْتَمَلَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا كَالْحُرِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ لَهُ الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ لِصَلَاتِهِ كَالْحُرِّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لِأَنَّ مَسْنُونَاتِ الصَّلَاةِ وَمَفْرُوضَاتِهَا يَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ، إِلَّا أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ [لِنَفْسِهِ] لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِخِدْمَتِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، لأن في ذلك إضرار بِخِدْمَتِهِ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَى مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ.
(مَسْأَلَةٌ)
: [القول مثلما يقول المؤذن] قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَحْبَبْتُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ في صلاة فإذا فرغ قاله وترك الأذان في السفر أخف منه في الحضر ".
قال الماوردي: هذا كما قال يُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ قَوْلِهِ لِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يقول المؤذن ".