وَالثَّانِي: لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَالزَّوْجَةُ عَالِمَةً بِهِ، فَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا تَعْزِيرَ لِجَهْلِهِ، وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّوْجَةِ مَعَ عِلْمِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَتُعَزَّرُ، فَعَلَى هَذَا لَهَا الْمَهْرُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهَا الْحَدُّ، فَعَلَى هَذَا لَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَالْمَهْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفِيءَ طُلِّقَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ فَإِنْ رَاجَعَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ رَاجَعَ ثُمَّ هَكَذَا حَتَى يَنْقَضِيَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ ثَلَاثًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَكَذَا كَمَا قَالَ إِذَا مَضَتْ لِلْمُولِي مُدَّةُ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَخُيِّرَ بَيْنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ [فَامْتَنَعَ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْفَيْئَةِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ سِوَاهُ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ] فَهُوَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ، وَيَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ فَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَأَضَافَ الْعَزْمَ إِلَى الزَّوْجِ، فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَصِحَّ من غيره، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الطلاق لمن أخذ بِالسَّاقِ) فَجَعَلَهُ إِلَى الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا مَدْخَلَ لِلْحَاكِمِ فِي أَحَدِهِمَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْآخَرِ، وَلِأَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ الْحَقُّ فِيهِ لِأَجْلِ التَّخْيِيرِ لَمْ يَقُمِ الْحَاكِمُ فِي التَّخْيِيرِ مَقَامَهُ، كَالَّذِي يسلم عغن أُخْتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ مِنَ اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَقُمِ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا، فَعَلَى هَذَا يُحْبَسُ الزَّوْجُ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ لِقَصْدِهِ الْإِضْرَارَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، كَمَا يُحْبَسُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ اخْتِيَارِ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ أَوِ اخْتِيَارِ أَرْبَعٍ إِذَا أَسْلَمَ وَمَعَهُ أَكْثَرُ مِنْهُنَّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - إِنَّ الْحَاكِمَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ؛ لِأَنَّ مَا دَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ إِذَا تَعَيَّنَ مُسْتَحِقُّهُ وَامْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنَ الْإِيفَاءِ كَانَ لِلْحَاكِمِ الِاسْتِيفَاءُ كَالدُّيُونِ؛ وَلِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّتْ بِهِ الْفُرْقَةُ بَعْدَ ضَرْبِ الْمُدَّةِ كَانَ لِلْحَاكِمِ مَدْخَلٌ فِيهَا كَالْعُنَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَازَ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الزَّوْجِ مِنْ طَلَاقِهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، وَتَكُونَ هِيَ الْمُسْتَوْفِيَةَ لِحَقِّهَا دُونَ الْحَاكِمِ كَالدَّيْنِ يَجُوزُ لِمُسْتَحَقِّهِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْغَرِيمِ مِنْ أَدَائِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُسْتَوْفِيَ لَهُ دُونَ الحاكم.