قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَةِ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . وَشَكَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا رِفَاعَةُ ثَلَاثًا زَوْجَهَا بَعْدَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَتْ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ)) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ كُلُّ زَوْجٍ وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ مِنْ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَاقِلَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ إِذَا اسْتَكْمَلَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا مُجْتَمِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيَدْخُلَ بِهَا الثَّانِي، فَتَحِلَّ بَعْدَهُ لِلْأَوَّلِ بِعَقْدِ الثَّانِي وَإِصَابَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِعَقْدِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا فَجَعَلَا الشَّرْطَ فِي إِبَاحَتِهَا لِلْأَوَّلِ عَقْدَ الثَّانِي دُونَ إِصَابَتِهِ اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . وَاسْمُ النِّكَاحِ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ دُونَ الْوَطْءِ.
وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ.
وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فذكرت زوجها وقالت إنما معه كهدية الثَّوْبِ فَقَالَ: (لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقُ عُسَيْلَتَكِ) وَهَذَا نَصٌّ. وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ طَلَّقَ الْغُمَيْصَاءَ فَنَكَحَهَا رَجُلٌ فَطَلَّقَهَا، قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَوْ طَلَّقَهَا رجل فتزوجها عمرو بن حزاً وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَسْأَلُهُ هَلْ تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ فَقَالَ لَهَا: هَلْ قَرَبَكِ، قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما كان له إلا كهدية الثَّوْبِ فَقَالَ: فَلَا إِذًا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ زَوْجًا فَخَلَا