الحاوي الكبير (صفحة 4832)

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ دُونَ الثَّلَاثِ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثِ أَوْ فَرَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَتْ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 23]

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا رَجْعَةَ، لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالرَّجْعَةُ تُمْلَكُ فِي الْعِدَّةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {. . ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] .

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنْ كَانَ خُلْعًا بَعِوَضٍ، فَلَا رَجْعَةَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ.

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي عِدَّتِهَا، فَإِنِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَلَا رَجْعَةَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2 ٍ] . وَالْمُرَادُ بِهِ مُقَارَبَةُ الْأَجَلِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَجَلِ، وإن كان لانقضاء المدة كما قال: {فإذا بلغن أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] . يُرِيدُ بِهِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهِنَّ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَجَازًا أَنْ يُقَارِبَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ كَالَّذِي قَالَهُ هَاهُنَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، فَدَلَّ سِيَاقُ الْكَلَامَيْنِ عَلَى افْتِرَاقِ الْبُلُوغَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ خَصَّ الرَّجْعَةَ بِمُقَارَبَةِ الْأَجَلِ وَعِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهِيَ تَجُوزُ فِي أَوَّلِ الْعِدَّةِ، كَمَا تَجُوزُ فِي آخِرِهَا. وَهِيَ فِي أَوَّلِهَا أَوْلَى.

قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهَا إِذَا جَازَتْ فِي آخِرِ الْعِدَّةِ كَانَتْ بِالْجَوَازِ فِي أَوَّلِهَا أَوْلَى.

وَالثَّانِي: لِيَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ الرَّجْعَةِ فِي حَالِ الْإِضْرَارِ بِهَا، وَهُوَ أَنْ تَنْتَظِرَ بِهَا آخِرَ الْعِدَّةِ، ثُمَّ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الرَّجْعَةُ مِنَ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] . ثُمَّ قَدْ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَعَ قَصْدِ الإضرار فكان صحتها بِالْمَعْرُوفِ إِذَا لَمْ يَقْصِدِ الْإِضْرَارَ أَوْلَى فَإِذَا صَحَّتِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ فَهِيَ جَائِزَةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَأَوْجَبُهَا مِلْكًا فِي طَلَاقِ الْبِدْعَةِ وَقَدْ مضى الكلام معه.

(مسألة:)

قال الشافعي: (وَلِلْعَبْدِ مِنَ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ مَا لِلْحُرِّ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَةٌ أَوْ أَمَةٌ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015