قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَمَّا كَانَتِ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ تُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَانَتْ إِصَابَةُ زَوْجٍ غَيْرِهِ تُوجِبُ التَّحْلِيلَ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الطَّلْقَةِ وَلَا فِي الطَّلْقَتَيْنِ مَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ لَمْ يَكُنْ لِإِصَابَةِ زَوْجٍ غَيْرِهِ مَعْنًى يُوجِبُ التَّحْلِيلَ فَنِكَاحُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ وَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى هَذَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سأله عمن طلق امرأته اثنتين فانقضت عدتها فتزوجت غيره فطلقها أو مات عنها وتزوجها الأول قال عمر هي عنده على ما بقي من الطلاق) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْفُرْقَةَ الْوَاقِعَةَ بِالطَّلَاقِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ أَخَفُّهَا: مَا يَسْتَبِيحُهُ الْمُطَلِّقُ بِالرَّجْعَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، وَهُوَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَسْتَبِيحُهَا الزَّوْجُ بِأَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ أَغْلَظُهُمَا: أَنْ لَا يَسْتَبِيحَهَا الْمُطَلِّقُ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَوْسَطُهَا أَنْ يَسْتَبِيحَهَا بَعْدَ نِكَاحٍ بَعْدَ طَلَاقِهِ، وَلَا يَسْتَبِيحَهَا بِالرَّجْعَةِ، وَلَا يَفْتَقِرَ إِلَى نِكَاحِ زَوْجٍ، وَهُوَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ إِمَّا فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا وَإِمَّا فِي مَدْخُولٍ بِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَإِمَّا فِي مُخْتَلِعَهٍ، فَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ بَعْدَ زَوْجٍ، لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ كَانَتْ مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الطَّلَاقِ إِجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَاحِدَةً بَقِيَتْ مَعَهُ عَلَى اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ اثْنَتَانِ بَقِيَتْ مَعَهُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ نَكَحَتْ زَوْجًا وَأَصَابَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَعَادَ الْأَوَّلُ بَعْدَ عِدَّتِهَا مِنَ الثَّانِي وَتَزَوَّجَهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ وُجُودَ الزَّوْجِ الثَّانِي كَعَدَمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا نَكَحَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَهُ كَانَتْ مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدَةً بَقِيَتْ مَعَهُ عَلَى اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ اثْنَتَانِ بَقِيَتْ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَاحِدَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.