فَإِذَا ثَبَتَ احْتِمَالُ هَذَا التَّكْرَارِ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّأْكِيدُ تَارَةً وَالِاسْتِئْنَافُ أُخْرَى، وَقَعَتِ الطَّلْقَةُ الْأُولَى وَرُجِعَ إِلَى إِرَادَتِهِ، فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَلَهُ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُرِيدَ بِهَا التَّأْكِيدَ لِلْأُولَى، فَلَا تُطَلَّقُ إِلَّا وَاحِدَةً، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ الزَّوْجَةُ فِي أَنَّهُ أَرَادَ التَّأْكِيدَ، وَقَالَتْ: بَلْ أَرَدْتَ الِاسْتِئْنَافَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُرِيدَ الِاسْتِئْنَافَ فتطلق ثلاثاً، فإن أكذبته الزوجة وقالت: أرد التَّأْكِيدَ لَمْ يُؤَثِّرْ تَكْذِيبُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُرِيدَ بِإِحْدَاهُمَا التَّأْكِيدَ، وَبِالْأُخْرَى الِاسْتِئْنَافَ، فَقَدْ طُلِّقَتْ ثِنْتَيْنِ وَكَانَتِ الْأُخْرَى تَأْكِيدًا لِإِحْدَى الطَّلْقَتَيْنِ. وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ إِرَادَةٌ، فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ يُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ وَلَا تَلْزَمُهُ إِلَّا الطَّلْقَةُ الْأُولَى لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ صَارَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ شَكًّا وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا رُجِعَ فِيهِ إِلَى إِرَادَتِهِ صَارَ كِنَايَةً وَالْكِنَايَةُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ مَعَ فَقْدِ الْإِرَادَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ مِنَ الْجَدِيدِ، يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَتُطَلَّقُ ثَلَاثًا، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ، وَعَلَى صِيغَتِهِ، فَلَمَّا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَجَبَ أَنْ يَقَعَ بِمَا كَانَ مِثْلًا لَهُ مِنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ مُقَيَّدٌ، وَعَلَى التَّأْكِيدِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ، فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى مَا أَفَادَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا لَمْ يُفِدْ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْتُمُ الْإِقْرَارَ، إِذَا تَكَرَّرَ مَحْمُولًا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ فَضَاعَفْتُمُ الْحَقَّ بِتَكْرَارِهِ كَالطَّلَاقِ، قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْإِقْرَارَ إِخْبَارٌ عَنْ مَاضٍ بِحَقٍّ مُسْتَقِرٍّ فَلَمْ يُوجِبْ تَكْرَارُهُ تَكْرَارَ الْحَقِّ، وَالطَّلَاقُ تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَجَازَ إِذَا تَكَرَّرَ، أَنْ يَبْقَى.
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وقعت الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ بِالْوَاوِ لَأَنَّهَا اسْتِئْنَافٌ لِكَلَامٍ فِي الظَّاهِرِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا تَكْرِيرًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثَمَّ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ بَلْ طالق (قال المزني) رحمه الله وفي كتاب الإملاء وإن أدخل (ثم) أو