أَحَدُهُمَا: وَهُوَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ تَصِيرُ بِدُخُولِ لَمْ عَلَيْهَا، مُوجِبَةً لِلْفَوْرِ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ دُخُولِهَا مُوجِبَةً لِلتَّرَاخِي، وَهِيَ مَتَى، وَمَتَى مَا، وَأَيُّ وَقْتٍ، وَأَيُّ زَمَانٍ، وَأَيُّ حِينٍ، فَإِذَا قَالَ: مَتَى لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مَتَى مَا لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ، أَوْ أَيُّ وَقْتٍ لَمْ تَدْخُلِي، أَوْ أَيُّ زَمَانٍ لَمْ تَدْخُلِي أَوْ أَيُّ حِينٍ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ فَمَتَى مَرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ زَمَانٌ يُمْكِنُ دُخُولُ الدَّارِ فِيهِ فَلَمْ تَدْخُلْ طُلِّقَتْ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُهَا بِدُخُولِ لَمْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ لَمْ، فَالطَّلَاقُ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِ الصِّفَةِ.
فَفِي أَيِّ زَمَانٍ وُجِدَتْ وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ، فَصَارَتْ عَلَى التَّرَاخِي، وَإِذَا أُدْخِلَ عَلَيْهَا لَمِ الموضوعة للنفي، صار الطلاق مشروطاً بعد الصِّفَةِ، وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِي أَوَّلِ زَمَانِ الْمُكْنَةِ، فَلِذَلِكَ صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ.
وَالْقِسْمُ الثاني: وهما للفظتان: إن وإذا، إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا لَمِ الْمَوْضُوعَةُ لِلنَّفْيِ، فَالَّذِي نص عليه الشافعي، ونقله المزني ها هنا، أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ، أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَسَكَتَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا الطَّلَاقُ، طُلِّقَتْ فَحَصَلَ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ: إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا بِمَوْتِهِ، أَوْ مَوْتِهَا فَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَى التراخي، وفرق بين إذا وإن، فَلَا وَجْهَ لِتَسْوِيَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَهُمَا، لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ وَظُهُورِ الْفَرْقِ.
وَأَمَّا أبو حنيفة: سوى بَيْنَ إِذَا وَإِنْ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي، لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْحِنْثِ إِلَّا أَنْ يَفُوتَ طَلَاقُ الْمُبَاشَرَةِ بِالْمَوْتِ فَجَعَلَ حُكْمَ إِذَا عِنْدَهُ كَحُكْمِ إِنْ عِنْدَنَا.
وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ إِذَا فِي هَذَا الموضع على الفور وإن عَلَى التَّرَاخِي.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ فَرْقُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ إذا موضوع لليقين والتحقيق وإن مَوْضِعٌ لِلشَّكِّ وَالتَّوَهُّمِ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ جِئْتُكَ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ جِئْتُكَ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَقِينٌ وَلَيْسَ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ، وَيَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ إِنْ جَاءَ الْمَطَرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَقَمْتُ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا جَاءَ الْمَطَرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَقَمْتُ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الْمَطَرِ فِيهِ شَكٌّ وَتَوَهُّمٌ لَيْسَ بِيَقِينٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] لِأَنَّ تَكْوِيرَهَا يَقِينٌ، فَلَمَّا كَانَ إِذَا مُسْتَعْمَلًا فِي الْيَقِينِ وَالتَّحْقِيقِ، فَإِذَا مَضَى زَمَانُ الْمُكْنَةِ، اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ، فَصَارَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَمَّا كَانَ إِنْ مُسْتَعْمَلًا فِي الشَّكِّ وَالتَّوَهُّمِ، لَمْ يَسْتَقِرَّ حُكْمُهُ إِلَّا بِالْفَوَاتِ، فَصَارَ عَلَى التَّرَاخِي.