فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي إِذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ السَّنَةَ الْعَدَدِيَّةَ، الَّتِي هِيَ استكمال ثلثمائة وَسِتِّينَ يَوْمًا، دِينَ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْحُكْمِ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ الَّتِي هِيَ ثلثمائة وخمس وَسِتُّونَ يَوْمًا تَرْجِعُ الشَّمْسُ بَعْدَهَا، إِلَى الْبُرْجِ الَّذِي طَلَعَتْ مِنْهُ، دِينَ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْحُكْمِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ التَّسْمِيَةِ فِي الشَّرْعِ يُوجِبُ حَمْلَهُ فِي الْحُكْمِ عَلَى السَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ، دُونَ الْعَدَدِيَّةِ وَالشَّمْسِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَمْ يُقْبَلْ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأَجَلِ، وَدِينَ فِي الْفُتْيَا لِاحْتِمَالِهِ.
وَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ سَنَةَ التَّأْرِيخِ، الَّتِي أَوَّلُهَا مُسْتَهَلُّ الْمُحَرَّمِ، وَآخِرُهَا مُنْسَلَخُ ذِي الْحِجَّةِ، قُبِلَ مِنْهُ فِي الْفُتْيَا والحكم، لأنه أضر به وأقضى لأجله.
فلو وقال: إِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ عَلَى سَنَةِ التَّأْرِيخِ، لِأَنَّهَا مَعْهُودَةٌ فَإِذَا انْقَضَتْ بِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ كَمَالَ سَنَةِ الْأَهِلَّةِ دِينَ فِي الْفُتْيَا، دُونَ الْحُكْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشافعي: (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ الشَّهْرَ الْمَاضِيَ طُلِّقَتْ مَكَانَهَا وَإِيقَاعُهُ الطَّلَاقَ الْآنَ فِي وَقْتٍ مَضَى مُحَالٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ الشَّهْرَ الْمَاضِيَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ أَمْسَ، يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي طَلَاقًا يُوقِعُهُ الْآنَ فَهَذَا مُحَالٌ، وَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَا مَضَى مِنَ النَّهَارِ غَيْرُ مُسْتَدْرَكٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا الْآنَ طَلَاقًا يَقَعُ عَلَيْهَا فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ، وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ فَوَقَعَ، وَلَمْ يُرِدْ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَقَعْ، وَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَهُوَ وَاقِعٌ لِوَقْتِهِ، وَلَا يَتَقَدَّمُ حُكْمُهُ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ مُتَقَدِّمُ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ وَاقِعًا لِلشَّهْرِ الْمَاضِي، اسْتِدْلَالًا، بِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ، فَوَجَبَ إِذَا عَلَّقَهُ بِوَقْتٍ مَاضٍ أن لا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ صَحَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَاضِي، لِأَنَّهُ يَصِحُّ إِيجَادُ الْفِعْلِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَلَا يَصِحُّ إِيجَادُهُ فِيمَا مَضَى، ولذلك صح الأمر، فالأفعال الْمُسْتَقْبَلَةِ دُونَ الْمَاضِيَةِ، وَصَارَ مِنْهَا خَبَرًا، وَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَلَا إِرَادَةَ لَهُ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في كتاب