سجدتين فكيف يكون مدركا لها والظهر معها بإحرام قبل المغيب فأحد قوليه يقضي على الآخر ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي أَصْلِ وَقْتِ الْإِقَامَةِ وَالرَّفَاهَةِ. فَأَمَّا وَقْتُ أَهْلِ الْعُذْرِ، وَالضَّرُورَةِ كَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، إِذَا طَهُرَتَا، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَا، وَالصَّبِيِّ إِذَا بَلَغَ وَالْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَهُمْ أَهْلُ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ، فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَجُوزُ إِدْخَالُ الْكَافِرِ فِي جُمْلَتِهِمْ وَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ بِالتَّأَخُّرِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَا مُضْطَرٍّ فِي الْمُقَامِ عَلَى الْكُفْرِ، قِيلَ: لِأَنَّ الْكَافِرَ لَمَّا لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ بِإِسْلَامِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كُفْرِهِ كَالْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ، وَالْمَجْنُونِ إِذَا أَفَاقَ صَارَ مِنَ الْمَعْذُورِينَ حُكْمًا فِي الْإِسْقَاطِ، وَالْإِيجَابِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُمْ مِنْ قَبْلُ فِي الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ فَصَارَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ تَكْلِيفُ الصَّلَاةِ فِي شَيْءٍ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَعَلُّقُ الْكَلَامِ بِفَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِمَا يُدْرِكُونَهُ مِنَ الْوَقْتِ.
وَالثَّانِي: مَا يُدْرِكُونَ بِهِ مَا يَجْمَعُ إِلَى صَلَاةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُدْرِكُونَ بِهِ صَلَاةَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ أَدْرَكُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْرَ رَكْعَةٍ أَدْرَكُوا صَلَاةَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ أَدْرَكُوا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي بِرَكْعَةٍ أَدْرَكُوا صَلَاةَ عِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ أَدْرَكُوا صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُمْ صَلَاةُ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ "، فَأَمَّا إِذَا أَدْرَكُوا مِنَ الْوَقْتِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فَيَسْتَوِي حُكْمُ مَا نَقَصَ عَنِ الرَّكْعَةِ بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ أَوْ قَدْرَ الْإِحْرَامِ مِنْهَا، وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى سَوَاءٍ وَفِي إِدْرَاكِهِمْ لِصَلَاةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ كُلِّهِ.
وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَهَا بِأَقَلِّ مِنْ رَكْعَةٍ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدَّرَ الْإِدْرَاكَ بِرَكْعَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِأَقَلِّ مِنْ رَكْعَةٍ، لِأَنَّ إِدْرَاكَ الْجُمْعَةِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِرَكْعَةٍ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِدْرَاكُ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ مُتَعَلِّقًا بِرَكْعَةٍ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَقَلَّ مِنْهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي الْجَدِيدِ إِنَّهُمْ يُدْرِكُونَ صَلَاةَ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِأَقَلِّ مِنْ رَكْعَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ