مَا ذَكَرُوهُ [وَالصَّلَاةُ وُسِّعَ وَقْتُهَا، وَلَمْ يُضَيَّقْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ] مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَحَوْلَ الزَّكَاةِ فَجَمْعٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَالصَّلَاةَ تَجِبُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ.
: فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ يَكُونُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ فَاسْتِقْرَارُ فَرْضِهَا يَكُونُ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ: أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَقِرُّ حِينَئِذٍ فَرْضُهَا بِهَذَا الزَّمَانِ الَّذِي أَمْكَنَ فِيهِ أَدَاؤُهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ وُجُوبِهَا بِأَوَّلِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا الزَّمَانِ كَانَ مَيِّتًا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ وَبَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: تَجِبُ الصَّلَاةُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيَسْتَقِرُّ فَرْضُهَا بِآخِرِهِ قَالَ: لِأَنَّ فَرْضَهَا لَوِ اسْتَقَرَّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْصُرَهَا إِذَا سَافَرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، لِاسْتِقْرَارِ فَرْضِهَا فَلَمَّا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ إِذَا سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ دَلَّ عَلَى أن الفرض لم يكن قد استقر وإن بآخر الوقت يستيقن، قال أبو يحيى البخلي: - مِنْ أَصْحَابِنَا - إِنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ إِمْكَانُ الْأَدَاءِ فِيهَا مُعْتَبَرًا، وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ فَاسِدٌ، وَاعْتِبَارُ الْإِمْكَانِ فِي اسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُوَسَّعًا، لِأَنَّ حُقُوقَ الْأَمْوَالِ لَمَّا كَانَ الْإِمْكَانُ شَرْطًا فِي اسْتِقْرَارِ فَرْضِهَا كَانَتْ حُقُوقُ الْأَبْدَانِ أَوْلَى وَلَيْسَ جَوَازُ الْقَصْرِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا، لِأَنَّ الْقَصْرَ مِنْ صِفَاتِ الْأَدَاءِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ سِمَةً فِي اسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ، كَمَا أَنَّ الصِّحَّةَ، وَالْمَرَضَ لَمَّا كَانَا مِنْ صِفَاتِ الْأَدَاءِ لَمْ يُجْعَلَا سِمَةً فِي اسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الْفَرْضِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَمَتَى أُتِيَ بِالصَّلَاةِ مَا بَيْنَ أَوَّلِ الوقت وآخره كانت أَدَاءً مُجْزِيًا إِذَا كَانَ الْإِحْرَامُ بِهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالسَّلَامُ مِنْهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِهَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ لَا أَدَاءً، وَلَا قَضَاءً، وَكَانَ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا؛ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَسَلَّمَ مِنْهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنْ كان لعذر في التأخير أجزأته أداء، فإن كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَجْزَأَتْهُ، وَهَلْ يَكُونُ مَا فَعَلَهُ مِنْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَدَاءً، أَوْ قَضَاءً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ؛ فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَانَتِ الصَّلَاةُ مُجْزِئَةً [أَمَّا] إِذَا كَانَ مَعْذُورًا وَعَلَى وَجْهَيْنِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا وَلَا تَبْطُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِي أَثْنَائِهَا.
وَقَالَ أبو حنيفة: قَدْ بَطَلَتْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَالَ: " إِنَّهَا تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَيْطَانِ " فَكَانَتِ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ مَنْهِيًّا عَنْهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَقَعَ مَوْقِعَ صَلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَلِأَنَّ الْمَفْعُولَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ [أَدَاءً وَالْمَفْعُولَ منها بعد