فَمُنِعَتْ مِنْهُ بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ وَالزَّوْجُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا مِنْهُ بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ.
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: أَنَا حُرٌّ مِنْكَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ كِنَايَةً عَنْ عِتْقِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَكُونُ كِنَايَةً فِي عِتْقِهِ، يُعْتَقُ بِهِ إِذَا نَوَاهُ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً، وَلَا يُعْتَقُ بِهِ، فَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْعِتْقَ إِنَّمَا هُوَ إِزَالَةُ الرِّقِّ، وَالرِّقُّ يَخْتَصُّ بِالْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ إِلَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ اللَّفْظُ إِلَى الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ رَفْعُ الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي قَدِ اشْتَرَكَ فِيهَا الزَّوْجَانِ، فَجَازَ أَنْ تَقَعَ الْفُرْقَةُ بِوُقُوعِهَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ هُوَ إِطْلَاقٌ مِنَ الْحَبْسِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّلَاقَ هُوَ الْإِطْلَاقُ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْعَقْدُ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إِطْلَاقًا مِنْ حَبْسٍ، فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِهَا عَنْ نِكَاحِ أُخْتِهَا، وَخَالَتِهَا وَعَمَّتِهَا وَعَنْ نِكَاحِ أَرْبَعٍ سِوَاهَا، كَمَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً عَنْ غَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ، لِيَنْطَلِقَ مِنْ حَبْسِ هَذَا التَّحْرِيمِ كَمَا وَقَعَ عَلَيْهَا، فَانْطَلَقَتْ مِنْ حَبْسِ التَّحْرِيمِ وَاللَّهُ أعلم.
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَرِيئَةٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مَا أشبهه فإن قال قلته ولو أنو طلاقا وأنوي بِهِ السَّاعَةَ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا حَتَّى يبتدئه ونيته الطلاق وما أراد من عدد) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُخَاطِبُ بِهَا الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فِي الطَّلَاقِ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ وَمَا لَيْسَ بصريح ولا كناية، فأما صريح فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: الطَّلَاقُ، وَالْفِرَاقُ، وَالسَّرَاحُ، وَمَعْنَى الصَّرِيحِ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ فِي وُقُوعِهِ إِلَى نِيَّةٍ، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَهُوَ الَّذِي لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ إِلَّا مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى الْمُبَاعَدَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ (الرَّجْعَةِ) : كُلُّ مَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ فَهُوَ كِنَايَةٌ، وَالْكِنَايَاتُ ضَرْبَانِ: ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ، فَالظَّاهِرَةُ سِتَّةُ أَلْفَاظٍ، بَتَّةٌ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَايِنٌ وبتلة وحرام.