وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَدْ طَلَّقْتُكِ، أَوْ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ، كَانَ كُلُّ هَذَا صَرِيحًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا، لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ، وَإِذَا قَالَ لَهَا يَا مُطَلَّقَةُ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا، لِأَنَّهُ نِدَاءٌ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ إخبارها وندائها إِنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمٍ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ نِدَاءً وَلَا خَبَرًا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إِخْبَارٌ، وَهُوَ صَرِيحٌ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ) ، فَإِذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ النِّدَاءُ صَرِيحًا وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ مُفَارَقَةٌ أَوْ قَدْ فَارَقْتُكِ، أَوْ يَا مُفَارَقَةُ، كَانَ صَرِيحًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ أَوْ قَدْ سَرَّحْتُكِ، أَوْ يَا مُسَرَّحَةُ، كَانَ كُلُّ هَذَا صَرِيحًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا.
لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ يَا مُطَلَّقَةُ صَارَ هَذَا النِّدَاءُ بَعْدَ تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ مُحْتَمَلًا فَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى إِرَادَتِهِ، لِزِيَادَةِ طَلَاقٍ، أَوْ لِنِدَاءِ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ نَظَائِرُ هَذَا.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ الطَّلَاقُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صَرِيحٌ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ كِنَايَةً، لِأَنَّهَا تَكُونُ مُطَلَّقَةً، وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا.
(فصل:)
وإذا قال لها رَجُلٌ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ هَذِهِ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ صَرِيحًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا لَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى إِرَادَتِهِ كَمَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ سُؤَالِ الْحَاكِمِ صَرِيحًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى إِرَادَتِهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إِخْبَارٌ عن سؤال.
قال الشافعي: (وَلَمْ يَنْوِ فِي الْحُكْمِ وَيَنْوِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ طَلَاقًا من وثاق كما لو قال لعبده أنت حر يريد حر النفس ولا يسع امرأته وعبده أن يقبلا منه) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ مَنْ تَلَفَّظَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقْصِدَ اللَّفْظَ وَيَنْوِيَ الْفُرْقَةَ، فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إِجْمَاعًا، إِذَا كَانَ الْمُتَلَفِّظُ مِنْ أهل الطلاق.