أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ مُوَافِقَةً لِظَاهِرِ لَفْظِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَ السُّنَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا نَوَى مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَتَكُونُ النِّيَّةُ تَأْكِيدًا لِلظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي غَيْرِ نِيَّةٍ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ مَعَ النِّيَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَعْدَلَ مَعَ قُبْحِ طَرِيقِهَا، وَالْأَجْمَلَ بِسُوءِ خُلُقِهَا، أَنْ يُطَلِّقَ لِلْبِدْعَةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَغْلَظَ حَالَيْهِ بِأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ مُجَامَعَةً فَيُحْمَلُ عَلَى طَلَاقِ الْبِدْعَةِ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَخَفَّ حَالَيْهِ بِأَنْ تَكُونَ فِي الْحَالِ طَاهِرًا غَيْرَ مُجَامَعَةٍ، دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَهَلْ تُقْبَلُ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَلَا يَلْزَمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقَ إِلَّا إِذَا صارت إلى حال البدعة، لأن ما ذكر مِنَ التَّأْوِيلِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْدَلَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ إِلَيْهِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُرِدْ أَكْثَرَ مِنْهَا.
فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَكْمَلَ الطَّلَاقِ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ الطَّلَاقِ قِيلَ: الثَّلَاثُ هِيَ أَكْمَلُ الطَّلَاقِ عَدَدًا وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ أَكْمَلَ الطَّلَاقِ صِفَةً وَحُكْمًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَمَالِ العدد دون الصفة إلى بِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ زِيَادَةٌ فَلَمْ تَقَعْ إِلَّا بِالْيَمِينِ وَلَكِنْ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ وَقَعَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْعَدَدِ، دُونَ الصِّفَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ كَانَ وَاحِدَةً وَلَمْ يَكُنْ ثَلَاثًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ قَدْ يَعُودُ إِلَى الصِّفَةِ كَمَا يَعُودُ إِلَى الْعَدَدِ، والله أعلم بالصواب.
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ أَقْبَحَ أَوْ أَسْمَجَ أَوْ أَفْحَشَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ سَأَلْتُهُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَ لِلْبِدْعَةِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وهذا نَصُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِفَةِ الطَّلَاقِ بِصِفَاتِ الْحَمْدِ فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَسْمَجَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَرْدَأَهُ أَوْ أَنْدَاهُ أَوْ أَضَرَّهُ أَوْ أَنْكَرَهُ أَوْ أَمَرَّهُ. أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الذَّمِّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى طَلَاقِ الْبِدْعَةِ، لِأَنَّهُ الْأَسْمَجُ، الْأَقْبَحُ الْأَضَرُّ الْأَمَرُّ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ نُظِرَ فِيهَا فَإِنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ، أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ حُمِلَ عَلَيْهَا، وَكَانَ عِشْرَتُهَا هُوَ الْأَسْمَجَ الْأَقْبَحَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أغلظ حاليه وأعجلهما عمل عليه وقل قَوْلُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ حَالَيْهِ وَأَبْعَدَهُمَا دِينَ فِيهِ، وَفِي قَبُولِهِ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وجهان: