كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لَا لِأَجْلِ الْحَيْضِ، فَلَمْ يَمْنَعِ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ.
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَةِ فَنَصُّهَا يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ، وَدَلِيلُهَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْعِدَّةِ، لَكِنْ إِذَا عَارَضَ دَلِيلٌ دَلِيلٌ الْخِطَابَ بَعْدَ صَرْفِهِ عَنْ مُوجِبِهِ، وَقَدْ عَارَضَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَا يُوجِبُ صَرَفَهُ عَنْ مُوجِبِهِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا فَضَعِيفٌ لِتَفَرُّدِ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ وَمُخَالَفَةِ جَمِيعِ الرُّوَاةِ فِيهِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ إِثْمًا، وَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِدْرَاكِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ يُسْتَدْرَكُ بِالرَّجْعَةِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالنِّكَاحِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ حَيْثُ بَطَلَ بِعَقْدِهِ فِي حَالِ التَّحْرِيمِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ حَيْثُ أَمَرَهُ بِإِيقَاعِهِ فِي حَالِ التَّحْرِيمِ، أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْسَعُ حُكْمًا وَأَقْوَى نُفُوذًا مِنَ النِّكَاحِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مُبَاشَرَةً وَسَرَايَةً، وَمُعَجَّلًا وَمُؤَجَّلًا.
وَعَلَى غَرَرٍ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ عَلَى مِثْلِهِ، فَجَازَ أَنْ يَقَعَ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ النِّكَاحِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِهِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْوَكِيلِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا خَالَفَ الْإِذْنَ زَالَتْ وَكَالَتُهُ وَلَيْسَ يَرْجِعُ بَعْدَ زَوَالِهَا إِلَى مِلْكٍ فَرُدَّ تَصَرُّفُهُ.
وَالزَّوْجُ إِذَا خَالَفَ رَجَعَ بَعْدَ الْمُخَالَفَةِ إِلَى مِلْكٍ فَجَازَ تَصَرُّفُهُ.
قَالَ الشافعي: (وَأُحِبُّ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً لِتَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَخَاطِبًا لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يحرم عليه أن يطلقها ثلاثا لأن الله تعالى أباح الطلاق فليس بمحظور وعلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابن عمر موضع الطلاق فلو كان في عدده محظور ومباح لعلمه إياه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إن شاء الله. وطلق العجلاني بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثلاثا فلم ينكره عليه وسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ركانة لما طلق امرأته ألبتة ما أردت؟ ولم ينهه أن يزيد اكثر من واحدة) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَمْلِكُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تسريح بإحسان} .
فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا فَالْأَوْلَى وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّقَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، فَيُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً. وَلَا يَجْمَعُهُنَّ فِي طُهْرٍ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مِنَ الْخِلَافِ وَلِيَأْمَنَ بِهِ مَا يخافه