وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ فِي الذِّمَّةِ مُسَلَّمٌ، وَفِي السَّلَمِ عُذْرٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَكِيلِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ عَبْدٍ، فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى غَيْرِ عَبْدٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ سَوَاءً خَالَعَ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَصَاعِدًا فَخُلْعُهُ جَائِزٌ، وَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ المثل فيكون لحكم فِيهِ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ الزَّوْجُ الْوَكَالَةَ، فَخَالَعَ الْوَكِيلُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْآتِي.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيِ الْوَكَالَةِ أَنْ تَكُونَ وَكَالَةُ الزَّوْجِ مُطْلَقَةً فَيَقُولُ لِوَكِيلِهِ: خَالِعْ زَوْجَتِي، وَلَا يَذْكُرُ لَهُ جِنْسًا وَلَا قَدْرًا، فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخَالِعَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَمَا زَادَ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ قَدْ قُلْتُمْ إِنَّهُ إِذَا قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِعَبْدٍ، لَمْ يَذْكُرْ نَوْعَهُ لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ فَأَوْلَى إِذَا أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ أن لا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ جَهَالَةً.
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي تَسْمِيَةِ الْعَبْدِ تَمَلُّكُ مَالٍ مَخْصُوصٍ لَا يُعْلَمُ مَعَ الْجَهَالَةِ فَلَمْ يَصِحَّ، وَالْمَقْصُودُ فِي الْإِطْلَاقِ مِلْكُ الْبَدَلِ عَنِ الْبُضْعِ وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ غَالِبِ النَّقْدِ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ جَهَالَةُ الْعَقْدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَكِيلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُخَالِعَهَا عَنْهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ غَالِبِ النَّقْدِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَهَذَا الْخُلْعُ مَاضٍ وَالطَّلَاقُ فِيهِ وَاقِعٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُخَالِعَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَزِيَادَةٍ، فَالْخُلْعُ جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ الْعَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي التَّعْيِينِ حُكْمُ الطَّلَاقِ بِالصِّفَةِ، وَمَعَ الْإِطْلَاقِ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ أَبَلَغُ فِي الِاحْتِيَاطِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُخَالِعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَيَعْدِلَ إِلَى غَيْرِ جِنْسِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أقاويل.
أحدها: أن الطَّلَاق لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِمَا أَوْجَبَهُ الْإِطْلَاقُ كَمُخَالَفَتِهِ لِمَا أَوْجَبَهُ التَّقْيِيدُ نَصًّا، وَقَدْ مَنَعَ مُخَالَفَةُ النَّصِّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ تَمْنَعَ مُخَالَفَةُ الْحُكْمِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ.