أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى طَلَاقٍ نَاجِزٍ بِعِوَضِ الذِّمَّةِ، كَأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي ذِمَّتِهَا، فَقَدْ صَارَتِ الْأَلْفُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَعَلَيْها فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ الْأَلْفَ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ بِالْحَجْرِ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبْضِ مَالِهِ، وَيَدْفَعُهَا إِلَى وَلِيِّهِ لِقَبْضِ مَالِهِ، فَإِنْ دَفَعَتِ الْأَلْفَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْرَأْ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْوَلِيُّ إِلَى قَبْضِهَا سُنَّةً فَتَبْرَأَ حِينَئِذٍ مِنْهَا، بِأَخْذِ الْوَلِيِّ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا الْوَلِيُّ مِنْهُ حَتَّى تَلِفَتْ مِنْ يَدِهِ كَانَتْ تَالِفَةً مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ إِلَى الْوَلِيِّ أَلْفًا ثَانِيَةً، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى السَّفِيهِ بِالْأَلْفِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا مَا كَانَ الْحَجْرُ بَاقِيًا عَلَيْهَا، فَإِنْ فُكَّ حَجْرُهُ بِحُدُوثِ رُشْدِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُرْمُهَا حُكْمًا، وَفِي وُجُوبِ غُرْمِهَا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ خُلْعِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَلَاقٍ مُقَيَّدٍ بِالدَّفْعِ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ دَفَعْتِ إِلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَدْفَعَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَلَا تَدْفَعَهُ لِوَلِيِّهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَالِكًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ الدَّفْعِ لَا يَمْلِكُ هَذَا إِلَّا بِالدَّفْعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَوْ دَفَعَتْ هَذَا إِلَى الْوَلِيِّ لَمْ تُطَلَّقْ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَدَفَعَتْ إِلَيْهِ مَا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ لَمْ تَضْمَنْهُ، لِأَنَّهُ مَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهَا، وَلَا مَلَكَهُ إِلَّا بِأَخْذِهِ مِنْهَا، وَعَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى أَخْذِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى تَلِفَ فَلَا غُرْمَ فِيهِ وَلَا رُجُوعَ ببدله.
قال الشافعي: (وَمَا أَخَذَ الْعَبْدُ بِالْخُلْعِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ فَإِنِ اسْتَهْلَكَا مَا أَخَذَا رَجَعَ الْوَلِيُّ وَالسَّيِّدُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهَا فَدَفَعَتْهُ إِلَى مَنْ لَا يَجُوزُ لَهَا دَفْعُهُ إِلَيْهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ، وَخُلْعُ الْعَبْدِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ طَلَاقُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ خُلْعُهُ أَجْوَزَ وَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِيهِ مُقَيَّدًا بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ: إِنْ دَفَعْتِ إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَيَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا لِيُطَلِّقَ بِهَا، وَيَجُوزُ لَهُ قَبْضُهَا، لِأَنْ يَمْلِكَهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهَا وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ عَبْدِهِ، لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ حَتَّى تَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَهِيَ تَالِفَةٌ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِبَدَلِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَلَاقُ خُلْعِهِ نَاجِزًا بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهَا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيْكِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ مع سيده مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي قَبْضِهَا فَيَجُوزَ لَهُ قَبْضُهَا، وَتَبْرَأَ الزَّوْجَةُ مِنْهَا بِدَفْعِهَا إِلَيْهِ.