قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا اسْتَقَرَّتْ ولاية الحكمين في شقاق الزوجين فعاف الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الْحَكَمَانِ تَنْفِيذَ مَا إِلَيْهِمَا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ التَّحْكِيمَ وَكَالَةٌ جَازَ لَهُمَا مَعَ غَيْبَةِ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَفْعَلَا مَا رَأَيَاهُ صَلَاحًا؛ لِأَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّ مُوَكِّلِهِ، وَيُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ وَإِنْ كَانَ غائباً هذا إذا كان مفترقين في الغيبة، فأما إذا كان فِي غَيْبَتِهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْحَكَمَيْنِ إِيقَاعُ طَلَاقٍ وَلَا خُلْعٍ لِجَوَازِ أَنْ يَصْطَلِحَا فِي الْغَيْبَةِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ التَّحْكِيمَ حُكْمٌ لَمْ يَجُزْ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا مَعَ غَيْبَتِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا فِيهِمَا مُجْتَمِعَيْنَ أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ الْحُكْمُ عِنْدَنَا عَلَى الْغَائِبِ فَالْحُكْمُ لَهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَحْضُرَ فَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجَانِ عَنِ التَّحْكِيمِ فَإِنْ كَانَ مَعَ اصْطِلَاحِهِمَا بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْحَكَمَيْنِ سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ التَّحْكِيمَ حُكْمٌ أَوْ وَكَالَةٌ؛ لِأَنَّ الشِّقَاقَ قَدْ زَالَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ مُقَامِهَا عَلَى الشِّقَاقِ بَطَلَ التَّحْكِيمُ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ وَكَالَةٌ وَلَمْ يَبْطُلْ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ حُكْمٌ.
وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ دُونَ الْآخَرِ كَانَ كَرُجُوعِهِمَا مَعًا يَبْطُلُ بِهِ التَّحْكِيمُ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ وَكَالَةٌ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ حُكْمٌ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ لا يصح إلا بحكمين.
قال الشافعي: " وَأَيُّهُمَا غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَمْضِ الْحَكَمَانِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا حَتَّى يَفِيقَ ثُمَّ يُحْدِثُ الْوَكَالَةَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا جُنَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُنَفِّذَا حُكْمَ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ قِيلَ: إِنَّ التَّحْكِيمَ وَكَالَةٌ فَقَدْ بَطَلَتْ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ حُكْمٌ فَالْجُنُونُ قَدْ قَطَعَ الشِّقَاقَ فَإِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ مِنْهُمَا بَطَلَ التَّحْكِيمُ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ وَكَالَةٌ حَتَّى يَسْتَأْنِفَهَا الْمُفِيقُ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْنَافِ إِذْنٍ مِنَ الْحَاكِمِ، وَلَمْ يَبْطُلِ التَّحْكِيمُ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ حُكْمٌ، وَجَازَ لِلْحَكَمَيْنِ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ إِمْضَاءُ حُكْمِهِمَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يُؤَثِّرِ الْجُنُونُ فِي إِبْطَالِ تَحْكِيمِهِمَا، وَإِنَّمَا أَثَّرَ التَّوَقُّفَ إِلَى إِفَاقَتِهِمَا لِيَعْلَمَ حَالَهُمَا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فِي مُقَامِهِمَا عَلَى الشِّقَاقِ أَوْ إِقْلَاعِهِمَا عَنْهُ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي: " وَعَلَى السُّلْطَانِ إِنْ لَمْ يَرْضَيَا حَكَمَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ لِكُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مَا يَلْزَمُ وَيُؤَدِّبَ أَيَّهُمَا رَأَى أَدَبَهُ إِنِ امْتَنَعَ بقدر ما يجب عليه (وقال) في كتاب الطلاق من أحكام القرآن ولو قال قائلٌ نجبرهما على الحكمين كان مذهباً (قال المزني) رحمه الله هذا ظاهر الآية والقياس ما قال علي رضي الله عنه لأن الله تعالى جعل الطلاق للأزواج فلا يكون إلا لهم ".