قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شافعٍ أَحْسَبُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ " شَكَّ الْمُزَنِيُّ " عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، وَأَرَادَ سَفَرًا، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُسَافِرَ بِجَمِيعِهِنَّ فَلَهُ ذَاكَ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَأْمُونًا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَافَرَ بِجَمِيعِ نِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِنَّ فِي السَّفَرِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الْحَضَرِ، فَإِذَا سَافَرَ بِهِنَّ كُنَّ عَلَى قسمهن في السفر كماكن عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ صَارَتْ نَاشِزًا وَسَقَطَ قَسْمُهَا وَنَفَقَتُهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْذُورَةً بِمَرَضٍ لِعَجْزِهَا عَنِ السَّفَرِ فَلَا تَعْصِي، وَلَهَا النَّفَقَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ قَسْمِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ ذَلِكَ لَهَا فَكَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنْ عُذِرَتْ فِيهِ بِأَنْ كَانَ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَامْتَنَعْنَ مِنَ السَّفَرِ لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُنَّ عَنِ التَّأَخُّرِ إِذَا أَمِنَّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدْعُوهُنَّ إِلَى مَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا يَدْعُوهُنَّ إِلَى اسْتِيفَاءِ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْصِيَةِ فَإِنْ أَقَمْنَ بِذَلِكَ عَلَى امْتِنَاعِهِنَّ نَشَزْنَ وَسَقَطَ قَسْمُهُنَّ وَنَفَقَتُهُنَّ.
: أَنْ يَتْرُكَهُنَّ فِي أَوْطَانِهِنَّ وَلَا يُرِيدُ السَّفَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَزَلَهُنَّ وَهُوَ مُقِيمٌ جَازَ فَإِذَا اعْتَزَلَهُنَّ بِالسَّفَرِ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ إِذَا قَامَ بِمَا يَجِبُ لَهُنَّ مِنَ الْكُسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، فَإِذَا خِفْنَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ إِذَا سَافَرَ عَنْهُنَّ لَزِمَهُ أَنْ يُسْكِنَهُنَّ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنَّ فِيهِ، فإن وجد ذلك في وطئه وَإِلَّا نَقَلَهُنَّ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاطِنِ الْمَأْمُونَةِ فَإِنْ أَمَرَهُنَّ بَعْدَ سَفَرِهِ عَنْهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ إِلَيْهِ لَزِمَهُنَّ الْخُرُوجُ إِذَا كَانَ السَّفَرُ مَأْمُونًا وَوَجَدْنَ ذَا مَحْرَمٍ فَإِنِ امْتَنَعْنَ نَشَزْنَ وَسَقَطَتْ نفقاتهن.