فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِأَبِيهَا بِطَاعَتِهَا لِزَوْجِهَا، وَلِأَنَّ فِي اتِّبَاعِ النِّسَاءِ لِلْجَنَائِزِ هُتْكَةً يُنْهَيْنَ عَنْهَا.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ إِلَى الْبَقِيعِ فَرَأَى فَاطِمَةَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ؟ قَالَتْ: عُدْتُ مَرِيضًا لِبَنِي فُلَانٍ، قَالَ: إِنِّي ظَنَنْتُكِ مَعَ الْجَنَازَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا كَلَّمْتُكِ أَبَدًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِلَّا أَنَّنِي لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ عِيَادَةِ أَبِيهَا إِذَا ثَقُلَ، وَمِنْ حُضُورِ مُوَارَاتِهِ إِذَا مَاتَ لِمَا فِيهِ مِنْ نُفُورِهَا عَنْهُ وَإِغْرَائِهَا بِالْعُقُوقِ.
وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ لِصَلَاةٍ وَغَيْرِ صَلَاةٍ.
فَإِنْ قيل: فَلِمَ يَمْنَعُهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلْيَخْرُجْنَ تَافِلَاتٍ " فَعَنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْخَلِيَّاتِ مِنَ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي يَمْلِكْنَ تَصَرُّفَ أَنْفُسِهِنَّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسَاجِدِ الْحَجُّ الَّذِي لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ فَرْضِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي زَمَانِهِ لِمَا وَجَبَ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِنَّ ثُمَّ زَالَ الْمَعْنَى فَزَالَ التَّمْكِينُ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا وَكَّدَ مِنْ لُزُومِ الْحِجَابِ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِنِسَائِهِ حِينَ حَجَّ بِهِنَّ: " هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الْحَصْرِ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ أَشَدَّ الْمَنْعِ، والله أعلم.