: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْأَذَانِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الظُّهْرُ فَهِيَ أَوَّلُ الصَّلَوَاتِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْأُولَى، وَفِي تَسْمِيَتِهَا بِالظُّهْرِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ حِينَ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيهَا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ عِنْدَ قِيَامِ الظَّهِيرَةِ، وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَلَيْسَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتًا لَهَا، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ تَقْدِيمَ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ جَائِزٌ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ بِقَدْرِ الذِّرَاعِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مَدْخُولٌ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَصَحُّ لِرِوَايَةِ بَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ ". وَهَذَا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصلاة لدلوك الشمس} أَنَّهُ زَوَالُهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ يَسِيرَ الزَّمَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لَجَازَ لِكَثِيرِهِ، وَلَجَازَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ لَزِمَ تَأْخِيرُهَا عَنِ الْوَقْتِ بِذِرَاعٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ لَجَازَ بِأَذْرُعٍ وَلَجَازَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ.
(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا الزَّوَالُ فَهُوَ ابْتِدَاءُ هُبُوطِ الشَّمْسِ بَعْدَ انْتِهَاءِ انْدِفَاعِهَا وَمَعْرِفَتُهُ تَكُونُ بِأَنْ يَزِيدَ الظِّلُّ بَعْدَ تَنَاهِي مَقَرِّهِ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ كَانَ ظِلُّ الشَّخْصِ طَوِيلًا فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتْ قَصُرَ ظِلُّ الشَّخْصِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى وَسَطِ الْفُلْكِ، فَيَصِيرُ الظِّلُّ يَسِيرًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ ثُمَّ إِنَّ الشَّمْسَ تَمِيلُ نَحْوَ الْمَغْرِبِ هَابِطَةً فَإِذَا ابْتَدَأَتْ بِالْهُبُوطِ ابْتَدَأَ الظل بالزيادة فأول ما يتبدئ الظِّلُّ بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ زَوَالُ الشَّمْسِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
(هِيَ شَمْسُ الضُّحَى إِذَا انْتَقَلَتْ ... بَعْدَ سَيْرٍ فَلَيْسَ غَيْرُ الزَّوَالِ)
وَاعْلَمْ: أَنَّ ظِلَّ الزَّوَالِ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَيَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ تَنَقُّلِ الْأَزْمَانِ، فَيَكُونُ ظِلُّ الزَّوَالِ فِي الْبَلَدِ الْمُحَاذِي لِقِبْلَةِ الْفَلَكِ أَقْصَرَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ فِيهِ قَدْ تَسَامَتِ الشَّخْصَ حَتَّى قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلشَّخْصِ فِي مَكَّةَ ظِلٌّ وَقْتَ الزَّوَالِ فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ حُزَيْرَانَ ثُمَّ يَكُونُ ظِلُّ الزَّوَالِ فِي الصَّيْفِ أَقَلَّ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ فِي الصَّيْفِ تَعْتَرِضُ وَسَطَ الْفَلَكِ وَيَكُونُ زَوَالُهَا فِي وَسَطِهِ فَيَكُونُ الظِّلُّ أَقْصَرَ. وَفِي الشِّتَاءِ تَعْتَرِضُ جَانِبَ الْفَلَكِ فَيَكُونُ زَوَالُهَا فِي جَانِبِهِ فَيَكُونُ الْفَلَكُ أَطْوَلَ وَلِلشَّمْسِ عِنْدَ الزَّوَالِ كَالْوَقْفَةِ لِإِبْطَاءِ سَيْرِهَا فِي وَسَطِ الْفَلَكِ قال الشاعر: