الحاوي الكبير (صفحة 4449)

ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ قد سقط عنه نصفه بالطلاق وهو مئتان وخمسون وبقي عليه نصفه مئتان وَخَمْسُونَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: وَمَا بَقِيَ فعليه نصفه، فيصير الباقي عليه مئتان وَخَمْسُونَ، وَفِي الْبَاقِي قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ مئتان وَخَمْسُونَ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ: نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ.

فَيَكُونُ الشَّافِعِيُّ قَدْ ذَكَرَ الْبَاقِي عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَاقِي لَهُ.

وَهَلْ يَكُونُ الْبَاقِي عَلَيْهِ قِصَاصًا مِنَ الْبَاقِي لَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى اخْتِلَافِ أَقَاوِيلِهِ فِيمَنْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ، فَإِنْ جَعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا: بَرِئَا، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ قِصَاصًا؛ تَقَابَضَا.

فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا قُلْتُمْ إِذَا خَالَعَهَا عَلَى نِصْفِ الْأَلْفِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ فِي جَمِيعِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ النِّصْفَ كَمَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نِصْفِ أَلْفٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ شَرِيكٍ لَهَا أَنَّهُ يَصِحُّ فِي جَمِيعِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَلْفِ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهَا فِي الصَّدَاقِ قَدْ خَالَعَتْ عَلَى نِصْفِهِ وَهِيَ مَالِكَةٌ لِجَمِيعِهِ، فَإِذَا سَقَطَ بَعْدَ الْخُلْعِ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقُّهَا مِنَ النِّصْفِ فِي الَّذِي خَالَعَتْ بِهِ دُونَ الْبَاقِي، فَلِذَلِكَ صَارَ مُشْتَرِكًا فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُهَا فِي الألف المشتركة؛ لأنها لا تَمْلِكْ مِنْهَا وَقْتَ الْخُلْعِ إِلَّا النِّصْفَ، فَانْصَرَفَ الْعَقْدُ إِلَى النِّصْفِ الَّذِي لَهَا، وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلى النصف الذي يشركها فافترقا.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ الْخُلْعِ عَلَى نِصْفِ الصَّدَاقِ وَسُقُوطِ بَاقِيهِ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ يَصِحُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا:

أَحَدُهَا: أَنْ يُخَالِعَهَا بِمِثْلِ نِصْفِهِ فِي ذِمَّتِهَا فَإِذَا كَانَ صَدَاقُهَا أَلْفًا فِي ذِمَّتِهِ خَالَعَهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فِي ذِمَّتِهَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي خُلْعِهِ بَرِئَ مِنْ نِصْفِ صَدَاقِهَا بِطَلَاقِهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ نِصْفُهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا مَا خَالَعَهَا بِهِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَصَارَ لَهُ عَلَيْهَا مِثْلُ مَا بَقِيَ لَهَا فَيَتَقَاصَّانِ أَوْ يَتَقَابَضَانِ أَوْ يَتَبَارَيَانِ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى مَا يُسَلِّمُ لَهَا مِنْ صَدَاقِهَا وَالَّذِي يُسَلَّمُ لَهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَيَكُونُ هُوَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْخُلْعُ فَيَبْرَأُ مِنْ جَمِيعِ نِصْفِهِ بِمَا مَلَكَهُ مِنَ الطَّلَاقِ، وَنِصْفِهِ بِمَا مَلَكَهُ مِنَ الْخُلْعِ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: ذَكَرَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى أَنْ لَا تَبِعَةَ لَهَا عَلَيْهِ فِي مَهْرِهَا فَيَبْرَأُ مِنْ جَمِيعِهِ بِمَا مَلَكَهُ بِطَلَاقِهِ وَبِخُلْعِهِ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَدْ خَالَعَهَا عَلَى مَا يُسَلِّمُ لَهَا مِنْ صَدَاقِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015