قِيلَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْعُرْفِ الْمَعْهُودِ لَنُقِلَ وَلَيْسَ فِي الْعُرْفِ أَنْ يُسَاوِيَ نَعْلَانِ فِي الْمَدِينَةِ وَخَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.
عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حديدٍ: عَلَى طَرِيقِ التَّقْلِيلِ، وَلَوْ أَرَادَ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّرَةِ لَكَانَ عُدُولُهُ إِلَى الْعَشَرَةِ الْمُقَدَّرَةِ أَسَهْلَ وَأَفْهَمَ فَبَطَلَ هَذَا التَّأْوِيلُ.
وورى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ رُومَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى امْرَأَةً صَدَاقًا مِلْءَ يَدَيْهِ طَعَامًا كَانَتْ بِهِ حَلَالًا ".
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمِّلِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إِنَّا كُنَّا لِنَنْكِحُ الْمَرْأَةَ عَلَى الْحَفْنَةِ أَوِ الْحَفْنَتَيْنِ مِنْ دَقِيقٍ.
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قُوِّمَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا نُصُوصٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: هُوَ أَنْ كُلَّ مَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا كَالْعَشَرَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ ثَبَتَ فِيهِ الْعَشَرَةُ عِوَضًا فَصَحَّ أَنْ يَثْبُتَ دُونَهَا عِوَضًا كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ عَلَى إِحْدَى مَنْفَعَتَيْهَا فَلَمْ يَتَقَدَّرْ قِيَاسًا عَلَى أُجْرَةِ مَنَافِعِهَا وَلِأَنَّ مَا يقابل البضع من البدل لا يقتدر فِي الشَّرْعِ كَالْخُلْعِ، وَلِأَنَّ كُلَّ عِوَضٍ لَا يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُهُ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ قِيَاسًا عَلَى جَمِيعِ الْأَعْوَاضِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِوَضًا.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهَا: أَنَّ ظَاهِرَهَا مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ حَلَّتْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا دُونُ الْعَشَرَةِ مَالٌ. أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ ثُمَّ بَيَّنَ دِرْهَمًا أَوْ دَانِقًا قُبِلَ مِنْهُ، فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْمَهْرِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ قَوْلًا مُسْنَدًا، وَفِعْلًا مُنْتَشِرًا مَا يُنَافِيهِ فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ إِنْ صَحَّ، فِي امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةً فَحُكِمَ لَهَا فِيهِ بِالْعَشَرَةِ.