الحاوي الكبير (صفحة 4297)

الْحَاكِمُ إِذَا رَافَعَتْهُ الزَّوْجَةُ إِلَيْهِ بِالْوَطْءِ أَوِ الطلاق كما يأخذه الْمُولِي بِهِمَا، وَلَمْ يُؤَجِّلْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ وَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، بِخِلَافِ الْمُولِي فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَفْعَلَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْوَطْءِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا وَطِئَهَا مَرَّةً سَقَطَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بِالْفُرْقَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ) {البقرة: 228) ودليلنا قول الله تعالى: {لِلْرِجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) {البقرة: 228) فَمِنْ دَرَجَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ يَلْزَمَهَا إِجَابَتُهُ إِذَا دَعَاهَا إِلَى الْفِرَاشِ وَلَا يَلْزَمُهُ إِجَابَتَهَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ رَفْعُ الْعَقْدِ بِالطَّلَاقِ إِلَيْهِ دُونَهَا كَانَ الْوَطْءُ فِيهِ حَقًّا لَهُ دُونَهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الوطء في ملك اليمين حقاً للمالك دون المملوكة، كَانَ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ حَقًّا لِلنَّاكِحِ دُونَ المنكوحة والله أعلم.

مسألة

قال الشافعي: رضي الله عنه: " ولا تكون إصابتها إلا بأن يُغَيِّبَ الْحَشَفَةَ أَوْ مَا بَقِيَ مِنَ الذَّكَرِ في الفرج ".

قال الماوردي: الإصابة التي تسقط بها حكم العنة هي تغييب الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ حَتَّى يَلْتَقِيَ الْخِتَانَانِ فَيَجِبُ الغسل سواء أنزل أم لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّهَا الْإِصَابَةُ الَّتِي يَكْمُلُ بِهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ، وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ المثل في الشبهة والحد في الزنا، هذا إذا كان سليم الذكر باقي الحشفة، ولا اعتبار بمغيب مَا بَعْدَ الْحَشَفَةِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَقْطُوعَ الحشفة ففيما يعتبر بغيبه مِنْ بَقِيَّةِ الذَّكَرِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ أَنْ تغييب باقيه قدر الحشفة ليكون بدلاً منها فسقط بِهِ حُكْمُ الْعُنَّةِ كَمَا سَقَطَ بِهَا.

وَالْوَجْهُ الثاني: أنه يعتبر تغييب باقيه كله، وهو ظاهر قوله هاهنا؛ لِأَنَّ الْحَشَفَةَ حَدٌّ لَيْسَ فِي الْبَاقِي، فَصَارَ جَمِيعُ الْبَاقِي حَدًّا.

فَصْلٌ

فَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حُكْمُ الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهُ محل محظور لا يستباح العقد، فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ حُكْمُ الْوَطْءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ، وَالْإِحْرَامِ سَقَطَ بِهِ حُكْمُ الْعُنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا؛ لِأَنَّهُ فِي المحل المستباح بالعقد.

مسألة

قال الشافعي: رضي الله عنه: " فإن لَمْ يُصِبْهَا خَيَّرَهَا السُّلْطَانُ فَإِنْ شَاءَتْ فِرَاقَهُ فَسَخَ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ طلاقٍ لِأَنَّهُ إِلَيْهَا دُونَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا مَضَتْ لِلْعِنِّينِ سَنَةً مِنْ حِينِ أُجِّلَ فَهِيَ عَلَى حقها، ما لم ترافعه إِلَى الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ تَعْجِيلُ مُحَاكَمَتِهِ بَعْدَ السَّنَةِ عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ فِي الْعُيُوبِ لأن تمكنها لِلزَّوْجِ مِنْ نَفْسِهَا فِي الْعُيُوبِ يَمْنَعُ مِنَ الفسخ، فكان الإمساك كذلك فإن حاكمها الزوج في عنته إلى الحاكم، لم يكن له ذلك، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ هُوَ مَأْخُوذٌ بِهِ، وَلَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ، فَيُطَالِبُ بِهِ فَإِذَا رَافَعَتْهُ إِلَى الحاكم بعد السنة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015