أقر عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ أَسْلَمَتِ الزَّوْجَةُ كَانَ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا على انقضاء العدة.
ولو نَكَحَ كِتَابِيٌّ وَثَنِيَّةً فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ كَانَ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ تَحَاكَمَا إِلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: إِنَّنَا نُمْضِي نِكَاحَهُمَا وَلَا يُفْسَخُ عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: يُفْسَخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ أَنْ يُحْكَمَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) {المائدة: 49) . وَالْوَثَنِيَّةُ لَا تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ فَكَذَلِكَ لَا تَحِلُّ لِكِتَابِيٍّ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَنَوَّعَ وَاخْتَلَفَ، أَلَّا ترى أننا نحكم بالتوارث بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إِقْرَارُهُمَا عَلَى هَذَا النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَأَوْلَى أَنْ يُقَرَّا عَلَيْهِ فِي حَالِ الْكُفْرِ.
قال الشافعي: " ولا تَحِلُّ ذبيحةٌ مَنْ وُلِدَ مِنْ وَثَنِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ ولا من نصراني ووثنيةٍ ولا يحل نكاح ابنتهما لأنها ليست كتابيةً خَالِصَةٍ (وَقَالَ) فِي كتابٍ آخَرَ إِنْ كَانَ أَبُوهَا نَصْرَانِيًا حَلَّتْ وَإِنْ كَانَ وَثَنِيًّا لَمْ تَحِلَّ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى النَّسَبِ وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَشْرَكُهُ الشِّرْكُ وَالشِّرْكُ يَشْرَكُهُ الشِّرْكُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ، وَأَنَّ الْمَجُوسَ وَعَبَدَةَ الْأَوْثَانِ لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ، فَأَمَّا الْمَوْلُودُ مِنْ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيًّا، وَالْآخَرُ وَثَنِيًّا فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْأَبُ وَثَنِيًّا، وَالْأُمُّ كِتَابِيَّةً يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً فَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذَبِيحَةِ هَذَا الْوَلَدِ وَلَا يُنْكَحُ إِنْ كَانَ امْرَأَةً تَغْلِيبًا لِحُكْمِ أَبِيهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يحل نكاحه، وأكل ذبيحته تغليباً لحق أَبَوَيْهِ حُكْمًا، اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تنتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تجس فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ " فَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنِ الْفِطْرَةِ وَتَخْفِيفِ الْحُكْمِ إِلَى أَغْلَظِهِمَا إِلَّا بِاجْتِمَاعِ أَبَوَيْهِ عَلَى تَغْلِيظِ الْحُكْمِ وَلِأَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مُسْتَبَاحُ الذَّبِيحَةِ وَالنِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَلَى حُكْمِهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ.
وَدَلِيلُنَا: عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) {البقرة: 221) . وَهَذَا الْوَلَدُ يَنْطِلَقُ عَلَيْهِ اسم المشرك، ولأنها كافرة فتنسب إلى كافرة لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِكَاحُهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَحِلَّ ذَبِيحَتُهَا وَلَا نِكَاحُهَا.