الحاوي الكبير (صفحة 4171)

عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ أَوَانِهَا، وِقَوْلُهَا فِي انْقِضَائِهَا مَقْبُولٌ فَتَصِيرُ مَنْكُوحَةً فِي الْعِدَّةِ فَحَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى التَّصْرِيحَ بِخِطْبَتِهَا حَسْمًا لِهَذَا التَّوَهُّمِ فَأَمَّا التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا فِي الْعِدَّةِ بِمَا يُخَالِفُ التَّصْرِيحَ مِنَ الْقَوْلِ الْمُحْتَمَلِ فَجَائِزٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أكْنَنْتُمْ فِي أنْفُسِكُمْ) {البقرة: 235) يَعْنِي بِمَا عَرَّضْتُمْ مِنْ جَمِيلِ الْقَوْلِ، أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ.

وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جاءها بعد موت أَبِي سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي، وَقَدْ وَضَعَتْ خَدَّهَا عَلَى التُّرَابِ حُزْنًا عَلَى أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قُولِي إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ اغفر له واعقبني منه وَعَوِّضْنِي خَيْرًا مِنْهُ " قَالَتْ أَمُّ سَلَمَةَ: فَقُلْتُ في نفسي من خير مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلِ الْمُهَاجِرِينَ هِجْرَةً، وَابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَابْنِ عَمِّي، فَلَمَّا تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلِمْتُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ عَلَى جَوَازِ التَّعْرِيضِ بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ مِنَ الوفاة، وأما المعتدة من الطلاق فثلاث فَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ أَنْ يَخْطُبَهَا بِصَرِيحٍ، وَلَا تَعْرِيضٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ الْخِطْبَةُ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْمُطَلِّقِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِخِطْبَتِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَرِّضَ لَهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفَصٍ ثَلَاثًا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي في العدة إذا أحللت فَآذِنِينِي وَرَوَتْ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: إِذَا حَلَلْتِ فلا تسبقيني بِنَفْسِكِ فَكَانَ ذَلِكَ تَعْرِيضًا لَهَا.

وَفِي مَعْنَى المطلقة ثلاثاً: الْمُلَاعِنَةُ، وَالْمُحَرَّمَةُ، بِمُصَاهَرَةٍ، أَوْ رَضَاعٍ، فَإِذَا حَلَّ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا فَفِي كَرَاهِيَتِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: - قَالَهُ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ " وَالْإِمْلَاءِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَمْرُهَا فِي ذَلِكَ أَخَفُّ مِنَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا جَازَ ذلك، لأن هناك مطلق بِهِ يُمْنَعُ مِنْ تَزْوِيجِهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا الْبَائِنُ الَّتِي تَحِلُّ لِلزَّوْجِ فَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ إِذَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصَرِّحَ بِخِطْبَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَأَمَّا غَيْرُ الزَّوْجِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَرِّحَ بخِطْبَتِهَا وَفِي جَوَازِ تَعْرِيضِهِ لَهَا بِالْخِطْبَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِإِبَاحَتِهَا لِلْمُطَلِّقِ كَالرَّجْعِيَّةِ، قاله في كتاب البويطي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015