ولو كان الأبعد قد زوج فعد إِفَاقَةِ الْأَقْرَبِ وَرُشْدِهِ كَانَ نِكَاحُهُ بَاطِلًا سَوَاءً عَلِمَ بِإِفَاقَتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ قِيلَ أَفَلَيْسَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ إِذَا زَوَّجَ بَعْدَ رُجُوعِ الْوَلِيِّ فِي الْوَكَالَةِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِرُجُوعِهِ كَانَ فِي نِكَاحِهِ قَوْلَانِ: فَهَلَّا كَانَ نِكَاحُ الْأَبْعَدِ مِثْلُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ.
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْوَكِيلَ مُسْتَنَابٌ يُضَافُ عَقْدُهُ إِلَى مُوَكِّلِهِ فَكَانَ عَقْدُهُ أَمْضَى مِنْ عَقْدِ الْأَبْعَدِ الَّذِي لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنِ الْأَقْرَبِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْأَقْرَبُ فَقَالَ الْأَبْعَدُ زوجها قَبْلَ إِفَاقَتِكَ فَالنِّكَاحُ مَاضٍ، وَقَالَ الْأَقْرَبُ بَلْ زَوَّجْتَهَا بَعْدَ إِفَاقَتِي، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا اعْتِبَارَ باختلافهما ولا رجوع فيسأل قَوْلُ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقٌّ لَهُمَا فَلَمْ ينفذ فيه قول غيرهما.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ قَالَتْ قَدْ أَذِنْتُ فِي فلانٍ فَأَيُّ وُلَاتِي زَوَّجَنِي فَهُوَ جائزٌ فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا جَازَ وإن تَشَاحُّوا أَقْرَعَ بَيْنَهُمُ السُّلْطَانِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ جَمَاعَةُ أَوْلِيَاءَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَيَنْبَغِي لَهَا ولهم أن يردوا عقد نكاحها إلي أسنهم وأعلموا وَأَوْرَعِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَا السِّنِّ قَدْ جَرَّبَ الْأُمُورَ وَذَا الْعِلْمِ أَعْرَفُ بِأَحْكَامِ الْعُقُودِ وَذَا الْوَرَعِ أَسْلَمُ اخْتِيَارًا وَأَكْثَرُ احْتِيَاطًا، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا اشْتَرَكُوا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ أحدهم كما لو اشتركوا في رق جارية اشتركوا في تزوجيها لِتُسَاوِيهِمْ كَالشُّرَكَاءِ فِي مِلْكٍ إِذَا أَرَادُوا بَيْعَهُ أو إجارته اشتركوا في العقد عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ أَحَدُهُمْ لِتَسَاوِيهِمْ فِيهِ.
قيل الفرق بينهما أن المعقود في الأملاك يتبعض وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَقْدِ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ جَازَ فَلِذَلِكَ جَازَ إِذَا اجْتَمَعُوا أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي الْعَقْدِ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَيْسَ كذلك عقد النكاح؛ لأنه يَتَبَعَّضُ وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى بَعْضِ امْرَأَةٍ فَلِذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَ الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يَشْتَرِكُوا فِيهِ ويفرد بالعقد أحدهم.
فإذا تقرر هذا فللمرأة المخطوبة حالتان:
أحدهما: أَنْ تَأْذَنَ لِأَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا.
والثاني: أن لا تعين فإن عينت، فَقَالَتْ: قَدْ أَذِنْتُ لِفُلَانٍ مِنْ إِخْوَتِي أَوْ من أعمامي أن يزوجني لفلان أَوْ بِمَنْ يَخْتَارُهُ لِي مِنَ الْأَكْفَاءِ فَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ مِنْهُمْ أَحَقَّ بِعَقْدِ نِكَاحِهَا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُهُ مِنْهُمْ كَانَ نِكَاحُهَا بَاطِلًا سَوَاءً كَانَتْ قَدْ عَيَّنَتْ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ لَمْ تُعَيِّنْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ لَهُ فَصَارَ عَاقِدًا بِغَيْرِ إِذَنٍ فَبَطَلَ عَقْدُهُ.
فَصْلٌ
وَإِنْ لَمْ تُعَيِّنْ عَلَى أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ بَلْ قالت يزوجني أحدكم وأيكم يزوجني فَهُوَ بِإِذْنِي وَرِضَايَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ حينئذٍ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَتَنَازَعُوا فِي تزوجيها، أو لم يَتَنَازَعُوا، فَإِنْ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي تَزْوِيجِهَا وَسَلَّمُوهُ