(فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ الَّذِي تَبْغِينَهُ ... يَحْمِي الْكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدِينَهُ؟ !)
فَلَمَّا تَزَوَّجَ آمِنَةَ وَحَمَلَتْ مِنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ فِي عَوْدِهِ بِفَاطِمَةَ فَقَالَ: هَلْ لَكِ فيما قلت: قد كان مرة فاليوم لا، فإذا سبعت فَقَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي بِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ، فَقَالَتْ: قَدْ أَخَذَتِ النُّورَ الَّذِي قَدْ كَانَ فِي وَجْهِكَ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
(إِنِّي رَأَيْتُ مَخِيلَةً نشأت ... فتلألأت بحناتم القطر)
(فلمحتها نوراً يضيء به ... ما حوله كإضاءة الفجر)
(ورأيت سقياها حيا بلد ... وقعت به وعمارة القفر)
(ورأيته شرفا أبوه به ... مَا كُلُّ قَادِحِ زَنْدِهِ يُورِي)
(لِلَّهِ مَا زهرية سلبت ... منك الذي اسْتَلَبَتْ وَمَا تَدْرِي)
فَأَمَّا اسْمُ النِّكَاحِ فهو حقيقة في العقد فجاز فِي الْوَطْءِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ أبو حنيفة: هُوَ حقيقة في الوطء فجاز فِي الْعَقْدِ، وَتَأْثِيرُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ جعل اسم النكاح حقيقة الْوَطْءِ حَرَّمَ بِوَطْءِ الزِّنَا مَا حُرِّمَ بِالنِّكَاحِ، وَمَنْ جَعَلَهُ حَقِيقَةً فِي الْعَقْدِ لَمْ يُحَرِّمْ بِوَطْءِ الزِّنَا مَا حُرِّمَ بِالنِّكَاحِ عَلَى مَا سَيَأْتِي شَرْحُهُ وَدَلِيلُهُ، لَكِنَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أنه حقيقة في الْعَقْدِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى النِّكَاحَ فِي كِتَابِهِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْعَقْدَ دُونَ الْوَطْءِ؛ وَلِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَمَّا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ اسْمًا لِلْعَقْدِ حَقِيقَةً كَانَ النِّكَاحُ بِمَثَابَتِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ اسْتِعْمَالَ النِّكَاحِ فِي الْعَقْدِ أَكْثَرُ، وَهُوَ بِهِ أَخَصُّ وَأَشْهَرُ وَهُوَ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ أَظْهَرُ قَالَ الشَّاعِرُ:
(بَنُو دارمٍ أكفاؤهم آل مسمعٍ ... وتنكح في أكفائها الخطبات)