جَوَازِ الْأَخْذِ كَفَقِيرٍ دُفِعَتْ إِلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ الْحُرِّيَّةُ فَبَانَ عَبْدًا أَوْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْإِسْلَامُ فَبَانَ كَافِرًا، أَوْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي سَائِرِ النَّاسِ فَبَانَ فِي ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ لَمْ يَجْتَهِدْ فِي الْأَخْذِ لَهَا عِنْدَ الدَّفْعِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَالِيًا كَانَ أَوْ مَالِكًا وَإِنْ كَانَ قَدِ اجْتَهَدَ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْخَطَأَ فِي ذَلِكَ كَالْخَطَأِ فِي الْفَقِيرِ فَلَا يَضْمَنُ إِنْ كَانَ وَالِيًا وَفِي ضَمَانِهِ إِنْ يكون مَالِكًا قَوْلَانِ، فَهَذِهِ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ.
والطريق الثاني: إِنَّ الْخَطَأَ فِي هَذَا أَخَصُّ بِالضَّمَانِ مِنَ الْخَطَأِ فِي الْفَقِيرِ فَيَضْمَنُ الدَّافِعُ إِنْ كَانَ مَالِكًا، وَفِي ضَمَانِهِ إِنْ كَانَ وَالِيًا قَوْلَانِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْخَطَأِ فِي الْفَقِيرِ وَبَيْنَ الْخَطَأِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ يَقِينُ الْفَقْرِ قَطْعًا فَجَازَ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ. وَيُعْلَمُ يَقِينُ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ قَطْعًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ.
مِثَالُهُ: إِنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ جُنُبٍ أَوْ مُحْدِثٍ لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ يَقِينَ طَهَارَةِ إِمَامِهِ قَطْعًا، فَإِذَا عَمِلَ فِيهَا عَلَى الظَّاهِرِ لَمْ يُعِدْ، وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ امْرَأَةٍ أَوْ كَافِرٍ، أَعَادَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ يَقِينَ كَوْنِ إِمَامِهِ رَجُلًا مُسْلِمًا فَإِذَا عَمِلَ عَلَى الظَّاهِرِ أَعَادَ.
وَسَوَّى أبو حنيفة بَيْنَ خَطَأِ الْوَالِي وَالْمَالِكِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْخَطَأِ فِي الْفَقِيرِ وَبَيْنَ الْخَطَأِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَفِيمَا مَضَى دَلِيلٌ كَافٍ.
قال الشافعي: " وَيُعْطَى الْوُلَاةُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ وَالْمَعْدِنِ وَالْمَاشِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْوُلَاةُ لَمْ يسع أهلها إلا قسمها فإن جاء الولاة بعد ذلك لم يأخذوهم بها وإن ارتابوا بأحد فلا بأس أن يحلفوه بالله لقد قسمها في أهلها وإن أعطوهم زكاة التجارات والفطرة والركاز أجزأهم إن شاء الله ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَمْوَالَ ضَرْبَانِ: ظَاهِرَةٌ كَالثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَالْمَوَاشِي، وَبَاطِنَةٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ وَالرَّكَازِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَمَا كَانَ مِنْهَا بَاطِنًا لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إِلَى الْإِمَامِ وَجَازَ لِأَرْبَابِهَا أَنْ يَتَوَلَّوْا إِخْرَاجَهَا وَقَسْمَهَا فِي أَصْلِهَا وَإِنْ دَفَعُوهَا إِلَى الْوُلَاةِ جَازَ وَمَا كَانَ مِنْهَا ظَاهِرًا فَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ إِنَّهَا كَالْبَاطِنَةِ يَجُوزُ لِأَهْلِهَا أَنْ يَتَوَلَّوْا إِخْرَاجَ زَكَاتِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ دَفْعُهَا إِلَى الْإِمَامِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ عَلَيْهِمْ دَفْعَ زَكَاتِهَا إِلَى الْإِمَامِ أَوْ عَامِلِهِ عَلَيْهَا، وَلَا يَجُوزُ لِأَرْبَابِهَا أَنْ يَتَوَلَّوْا إِخْرَاجَهَا بِأَنْفُسِهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ أَوْ عَامِلِهِ عَلَيْهَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ.