والثاني: وَهُوَ جَوَابُ الشَّافِعِيِّ، إِنَّ أَوْلَادَهُ وَإِنْ كَانُوا مِنْهَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا بَالِغِينَ أَصِحَّاءَ فَسَقَطَتْ نَفَقَاتُهُمْ، وَجَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ.
وَمِنَ الْقِيَاسِ أَنَّهُ نَسَبٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ فَلَمْ تَحْرُمْ بِهِ الصَّدَقَةُ قِيَاسًا عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ مَعَ الزَّوْجَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي اسْتِبَاحَةِ الصَّدَقَةِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى زَوْجَتِهِ فَهُوَ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ فَمُنِعَتْ مِنْ صَدَقَتِهِ وَنَفَقَتُهُ لَا تَلْزَمُهَا فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ صَدَقَتِهَا وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْأَبِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْحَجْبِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْأَبَ تَمَيَّزَ بِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ فَيُمْنَعُ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّوْجُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهَا قَدْ تَرْتَفِقُ بِدَفْعِ زَكَاتِهَا إِلَيْهِ، فَهُوَ أَنَّهَا لَا تَرْتَفِقُ بِالدَّفْعِ، وَإِنَّمَا تَرْتَفِقُ بِمَا قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنَ الْيَسَارِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الزَّكَاةِ كَمَنْ دَفَعَهَا إِلَى غَرِيمٍ لَهُ فَأَخَذَهَا مِنْ بَعْدِ قَبْضِهَا مِنْ دَيْنِهِ جَازَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِفْقًا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا لِحُصُولِ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ كَذَلِكَ مَا يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ والله أعلم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَأَمَّا آلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمُ الْخُمُسُ عِوَضًا مِنَ الصَّدَقَةِ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَفرُوضَاتِ وَإِنْ كَانُوا محتاجين وغارمين وهم أهل الشعب وهم صلبية بني هاشم وبني المطلب ولا تحرم عليهم صدقة التطوع وروي عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت له أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة، وقبل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الهدية من صدقة تصدق بها على بريرة وذلك أنها من بريرة تطوع لا صدقة ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ النَّاسَ فِي صَدَقَتَيِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ يَنْقَسِمُونَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ؛ مِنْهُمْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَتَانِ جَمِيعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ دُونَ التَّطَوُّعِ.
فَأَمَّا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ فَهُوَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمَا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَدْرِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ.
رَوَى أَبُو رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ".
وَرَوَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَدَ تَمْرَةً وَقَالَ: " لَوْلَا أَخَافُ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لِأَكَلْتُهَا ".
وَرُوِيَ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ حَمَلَ إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَبَقًا مِنْ رُطَبٍ فَقَالَ: " مَا هَذَا "؟ قَالَ: صَدَقَةٌ، قَالَ: " إِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ " فَحَمَلَ إِلَيْهِ طَبَقًا آخَرَ فَقَالَ: " مَا هَذَا "؟ قَالَ: هَدِيَّةٌ، قَالَ: إِنَّا نَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَنُكَافِئُ عليها ".