أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْحَلَّةُ مُجْتَمِعَةً لَا يَنْفَصِلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَجَمِيعُ أَهْلِهَا جِيرَانُهُ كَبُرَتْ أَمْ صَغُرَتْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُتَفَرِّقَةً كَتَمَيُّزِ كُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ، إِمَّا لِتَمَيُّزِهِمْ فِي الْأَنْسَابِ وَإِمَّا لِتَمَيُّزِهِمْ فِي الْأَسْبَابِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الرَّحِيلِ وَالنُّزُولِ، فَيَكُونُ جِيرَانُهُ مِنَ الْحَلَّةِ مَنْ يَرْحَلُ بِرَحِيلِهِ وَيَنْزِلُ بِنُزُولِهِ وَلَا تَكُونُ الْفِرْقَةُ الَّتِي تُخَالِفُهُ فِي الرَّحِيلِ وَالنُّزُولِ جِيرَانًا لَهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَّفِقُوا فِي الرَّحِيلِ وَالنُّزُولِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ جَمِيعَ الْحَلَّةِ مِنَ الْفِرَقِ كُلِّهَا جِيرَانٌ لَهُ اعْتِبَارًا بِاتِّفَاقِهِمْ فِي النُّجْعَةِ، وَإِنْ تَفَرَّقُوا فِي الْبُقْعَةِ كَمَا يَتَفَرَّقُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ فِي مَحَالِّهِمْ، وَيَكُونُوا جِيرَةً إِذَا جَمَعَهُمُ الْمِصْرُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ جِيرَانَهُ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي بُقْعَتِهِ دُونَ مَنْ فَارَقَهُ اعْتِبَارًا بِالْمَكَانِ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إِنْ عَدَلَ بِزَكَاتِهِ إِلَى غَيْرِ طَائِفَتِهِ مِنْ فِرَقِ الْحَلَّةِ لَمْ يَكُنْ نَاقِلًا لَهَا، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يكون ناقلا لها.
قال الشافعي: " وإذا وَلِيَ الرَّجُلُ إِخْرَاجَ زَكَاةِ مَالِهِ قَسَّمَهَا عَلَى قَرَابَتِهِ وَجِيرَانِهِ مَعًا فَإِنْ ضَاقَتْ فَآثَرَ قَرَابَتَهُ فَحَسَنٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَقَارِبٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا جِيرَانًا أَوْ أَبَاعِدَ، فَإِنْ كَانَ أَقَارِبُهُ جِيرَانًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ أَجَانِبُ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَجَانِبُ فَقَدِ اسْتَحَقُّوا زَكَاةَ ماله بالجوار وجاز الْفَضِيلَةَ بِالْقَرَابَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَجَانِبُ، فَعَلَى ضربين:
أحدهما: أن تسع زَكَاتُهُ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ فَيَفُضَّهَا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَضِيقَ زَكَاتُهُ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ فَأَقَارِبُهُ أَوْلَى بِزَكَاتِهِ مِنَ الْأَجَانِبِ لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَخْلِطَ بِأَقَارِبِهِ نَفَرًا مِنَ الْأَجَانِبِ أَوْ يَتَوَفَّرَ بِهَا عَلَى أَقَارِبِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَوَفَّرَ بِهَا عَلَى أَقَارِبِهِ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَخْلِطَ بِهِمْ نَفَرًا مِنَ الْأَجَانِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 14، 15، 16] فَجَمَعَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّنَاءِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا كَانَ جِيرَانُهُ أَجَانِبَ وَأَقَارِبُهُ أَبَاعِدَ فَجِيرَانُهُ الْأَجَانِبُ أَوْلَى بِزَكَاتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْأَبَاعِدِ وَقَالَ أبو حنيفة: أَقَارِبُهُ الْأَبَاعِدُ أَوْلَى مِنْ جِيرَانِهِ الأجانب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةَ امْرِئٍ وَذُو رَحِمِهِ مُحْتَاجٌ، وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّسَبِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ واجتماعهم في