أحدهما: أنهم مستحقون لصدقات المصر وهم كسكانه فِي أَنَّ الْخَارِجَ إِلَيْهِمْ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا يستبيح المصر.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي صَدَقَاتِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى بلد من ليس فيه والذي أراه مذهب وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُنْظَرَ فِي الْخَارِجِ عَنِ الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُهُ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَانَ مُضَافًا إِلَى أَهْلِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ صَدَقَاتِهِمْ كَمَا كَانَ مضافا إليهم في وجوب الجمعة عليهم فِي مِصْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْمِصْرِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إِلَى أَهْلِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ صَدَقَاتِهِمْ كَمَا لَمْ يُضَفْ إِلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ فِي مِصْرِهِمْ، وَهَذَا حُكْمُ صَدَقَاتِ الْأَمْصَارِ إِذَا قَسَّمَهَا الْعَامِلُ فِي أَهْلِهَا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ قَاطِنًا فِي الْمِصْرِ أَوْ طَارِئًا إِلَيْهِ، وَأَقَارِبُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَجَانِبُ؛ لِأَنَّ اسْتِيعَابَ جَمِيعِهِمْ فِي قِسْمَةِ الْعَامِلِ وَاجِبٌ.
[صَدَقَاتُ الْبَادِيَةِ]
وَإِنْ كَانَ مَا يُقَسِّمُهُ الْعَامِلُ صَدَقَاتِ بَادِيَةٍ لَا تَضُمُّهُمْ أَمْصَارٌ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا مُقِيمِينَ بِمَكَانٍ قَدِ اسْتَوْطَنُوهُ مِنْ بَادِيَتِهِمْ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا ولا ينقلون عنه لمرعى ولا كلاء، فَهَؤُلَاءِ كَأَهْلِ الْمِصْرِ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْمُقَامِ، وَإِنِ اختلفوا في صفات المساكن فَتَكُونُ صَدَقَاتُهُمْ مَقْسُومَةً فِيمَنْ كَانَ نَازِلًا مَعَهُمْ فِي مَكَانِهِمْ، وَهَلْ يُشْرِكُهُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَمْ لَا عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أن يكونوا ممن ينتجع الْكَلَأَ، وَيَنْتَقِلُ لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمِعِينَ لَا يَنْفَصِلُ حَالُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَجَمِيعُهُمْ جِيرَانٌ وَإِنْ تَمَيَّزَتْ أَنْسَابُهُمْ فَتُقَسَّمُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهِمْ وَفِيمَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى مَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنْ تَمَيَّزُوا عَنْهُمْ وَجْهًا وَاحِدًا بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ؛ لِأَنَّ الْبَادِيَةَ لَمَّا لَمْ تَضُمَّهُمُ الْأَمْصَارُ رُوعِيَ فِي تَجَاوُرِهِمُ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ جَارًا لِقُرْبِهِ وَمَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَكُنْ جَارًا لِبُعْدِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَمَيَّزَ حَالُهُمْ وَتَنْفَصِلَ كل حلة عن الأخرى، فتقسم زكاة كل حلة عن الأخرى فتقسم زكاة كل حلة عَلَى أَهْلِهَا، وَعَلَى مَنْ كَانَ مِنْهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، هَذَا حُكْمُ الْعَامِلِ إِذَا تَوَلَّى قَسْمَهَا بِنَفْسِهِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي.
فَصْلٌ:
وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِقَسْمِ زَكَاتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِهِ فِي تَفْضِيلِ حُكْمِ الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَوْ مِنَ الْبَوَادِي فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ لَمْ يَكُنْ مَنْ خَرَجَ عَنْ مِصْرِهِ مِنْ جِيرَانِهِ، وَلَا مِنْ مُسْتَحِقِّي زَكَاتِهِ وَجْهًا وَاحِدًا بِخِلَافِ مَا يقسمه العامل؛