قال الشافعي: " وَيُعْطَى الْغَازِي الْحَمُولَةَ وَالسِّلَاحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ وَإِنِ اتَّسَعَ الْمَالُ زِيدُوا الْخَيْلَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا غزاة الصدقات فَلَهُمْ سَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ مِنْهَا وَمَا يُعْطَوْنَهُ مِنْهَا مُعْتَبَرٌ بِمُؤْنَةِ غَزْوِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فِي بَلَدِهِمْ أُعْطُوا النَّفَقَةَ وَالسِّلَاحَ وَالْحَمُولَةَ الَّتِي تَحْمِلُهُمِ وَرِحَالَهُمْ، إِمَّا فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى ظَهْرٍ ثُمَّ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا فُرْسَانًا أَوْ رَجَّالَةً فَإِنْ كَانُوا فُرْسَانًا أُعْطَوْا نَفَقَاتِ خَيْلِهِمْ ومُؤْنَتِهِمْ فِي ذَهَابِهِمْ وَعَوْدَتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا رَجَّالَةً لَا خَيْلَ لَهُمْ فَإِنْ كَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ إِلَّا رَجَّالَةً عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُعْطَوُا الْخَيْلَ، وَإِنْ كَانُوا يُقَاتِلُونَ فُرْسَانًا أُعْطُوا الْخَيْلَ إِذَا عَدِمُوهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ وَلَيْسَ فِيهَا خَيْلٌ وَلَا سِلَاحٌ.
قُلْنَا: لَا يَخْلُو دَافِعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَبَّ الْمَالِ أَوِ الْوَالِيَ فَإِنْ كَانَ دَافِعُهَا رَبَّ الْمَالِ أَعْطَاهُمْ أَثْمَانَ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِيَتَوَلَّوْا شِرَاءَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ رَبُّ الْمَالِ لَهُمْ؛ لِأَنَّ إِخْرَاجَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْوَالِي عَلَيْهَا هُوَ الدَّافِعَ لَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُدْفَعُ إِلَيْهِمْ أَثْمَانُهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى شِرَاءَهَا رب الْمَالِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى شِرَاءَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّ لِلْوَالِي عَلَيْهِمْ وِلَايَةً لَيْسَتْ لِرَبِّ الْمَالِ، فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّى شِرَاءَهُ لَهُمْ وَإِنْ لم يتوله رب المال.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قَدْرَ مَا يُبَلِّغُهُ الْبَلَدَ الَّذِي يُرِيدُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَحَمُولَتِهِ إِنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا وَكَانَ جَلْدًا الْأَغْلَبُ مِنْ مِثْلِهِ لَوْ كَانَ غَنِيًّا الْمَشْيُ إِلَيْهَا أُعْطِيَ مُؤْنَتَهُ وَنَفَقَتَهُ بِلَا حَمُولَةٍ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ وَيَرْجِعَ أُعْطِيَ مَا يَكْفِيهِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ مِنَ النَّفَقَةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالَّذِي يُعْطَاهُ ابْنُ السَّبِيلِ مُعْتَبَرٌ بِكِفَايَتِهِ فِي سَفَرِهِ بِحَسَبِ قُرْبِهِ وَبُعْدِهِ وَذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَمَؤُونَةٍ، فَإِنْ كَانَ جَلْدًا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فِي سَفَرِهِ لَمِ يُزَدْ عَلَى مَؤُونَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي بَحْرٍ لَا يَجِدُ مِنَ الرُّكُوبِ بُدًّا أُعْطِيَ مَعَ النَّفَقَةِ كِرَاءَ مَرْكُوبِهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ أُعْطِيَ مَعَ اتِّسَاعِ الْمَالِ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْعَوْدَةِ وَنَفَقَةَ مُقَامِ الْمُسَافِرِ وَهُوَ مُدَّةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَقْنَعَ.
مَسْأَلَةٌ:
قال الشافعي: " فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى السَّهْمِ كُلِّهِ أُعْطِيَهُ كُلَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ابْنُ سَبِيلٍ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَأْتِي إِلَّا عَلَى سَهْمٍ، سَهْمٌ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ ".