أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ فَلَوْ أَعْطَاهُمْ مِنَ السُّهْمَانِ مَا رَأَيْتُ ذَلِكَ ضِيقًا فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: يَخْرُجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُتَمِّمَهَا مِنْ سِهَامِ أَهْلِ السُّهْمَانِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالْعَمَلِ فِيهَا.
وَالثَّانِي: يُتَمِّمُهَا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا ولأن لا يُفَضَّلُوا عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَكِنْ لِلْإِمَامِ اجْتِهَادُ رَأْيِهِ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ كَانَ مَذْهَبَنَا.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ تَمَاسُكٌ يُقْنِعُهُمُ الْبَاقِي بَعْدَ أُجُورِ الْعَامِلِينَ تُمِّمَتْ أُجُورُهُمْ مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ، وَإِنْ كَانُوا ذَوِي فَاقَةٍ لَا يَتَمَاسَكُونَ بِمَا يَبْقَى تُمِّمَتْ أُجُورُهُمْ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي: " وَتُفَضُّ جَمِيعُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا أَصِفُ إن شاء الله تعالى كان الفقراء عشرة والمساكين عشرين والغارمون خمسة وهؤلاء ثلاثة أصناف وكان سهمانهم الثلاثة من جميع المال ثلاثة آلاف فلكل صنف ألف فإن كان الفقراء يغترفون سهمهم كفافا يخرجون به من حد الفقر إلى أدنى الغنى أعطوه وإن كان يخرجهم من حد الفقر إلى أدنى الغنى أقل وقف الوالي ما بقي منه ثم يقسم على المساكين سهمهم هكذا وعلى الغارمين سهمهم هكذا وإذا خرجوا من اسم الفقر والمسكنة فصاروا إلى أدنى اسم الغنى ومن الغرم فبرئت ذممهم وصاروا غير غارمين فليسوا من أهله ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَالَ الصَّدَقَاتِ مَقْسُومٌ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ كَمَلُوا قُسِمَتْ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ، وَإِنْ قَلُّوا قُسِمَتْ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ الْمَوْجُودُونَ بَعْدَ الْعَامِلِينَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ الْفُقَرَاءُ وَالْغَارِمُونَ وَالْمَسَاكِينُ، قُسِمَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةٍ سَوَاءً تَسَاوَى أَصْنَافٌ فِي الْأَعْدَادِ وَالْحَاجَةِ أَوْ تَفَاضَلُوا فَإِذَا كَانَ الْفُقَرَاءُ عَلَى الْمَثَلِ الَّذِي صَوَّرَهُ الشَّافِعِيُّ عَشْرَةً وَالْمَسَاكِينُ عِشْرِينَ، وَالْغَارِمُونَ خَمْسَةً، وَقَدْ قُسِّمَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةٍ فَكَانَ كُلُّ سَهْمٍ مِنْهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ قُسِّمَ سَهْمُ الْفُقَرَاءِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ حَاجَاتِهِمْ فَإِنَّهُ رُبَّمَا تَفَاضَلَتْ حَاجَاتُهُمْ، وَرُبَّمَا تَسَاوَتْ، فَيُقَسَّمُ عَلَى الْحَاجَةِ لَا عَلَى الْعَدَدِ، وَكَذَلِكَ سَهْمُ الْمَسَاكِينِ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَاتِهِمْ، وَيُقَسَّمُ سَهْمُ الْغَارِمِينَ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ، كَمَا يُقَسَّمُ مَالُ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ عَلَى قدر ديونهم لا على أعداد رؤوسهم.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّهُمْ يَبْدَأُ بِالْعَطَاءِ قَبْلَ أَنْ يُعَجِّلَ حُضُورُ أَحَدِهِمْ، وَتَأَخَّرَ الْبَاقُونَ بَدَأَ بِمَنْ تَعَجَّلَ حُضُورُهُ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا، فَقَدْ قِيلَ: يَبْدَأُ بِأَشَدِّهِمْ حَاجَةً وَأَمَسِّهِمْ