الحاوي الكبير (صفحة 3785)

قِيلَ: لِأَنَّ سِهَامَ الْغَانِمِينَ مُقَدَّرَةٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِمُ التَّفَاضُلُ كَدِيَةِ الْحُرِّ، وَالرَّضْخُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَغَنِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا يُبْلَغُ بِالرَّضْخِ سَهْمُ فَارِسٍ وَلَا رَاجِلٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسِّهَامِ فَنُقِصَ عَنْ قَدْرِهَا كَحُكُومَاتِ الْجِرَاحِ عَلَى الأعضاء لما كانت تبع لِلْأَعْضَاءِ لَمْ تَبْلُغْ بِأَرْشِهَا دِيَاتِ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الرَّضْخُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ إِخْرَاجِ خُمُسِهَا كَالسَّلَبِ لِأَنَّهُمْ أَعْوَانٌ. فصاروا كحافظي الغنيمة (وحامليها الذين أعطون أجورهم من أصل الْغَنِيمَةِ) ؛ فَعَلَى هَذَا يَبْدَأُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِإِعْطَاءِ السَّلَبِ وَأُجُورِ الْحَفَظَةِ وَالْحَمَّالِينَ ثُمَّ الرَّضْخِ ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ، فَيَعْزِلُ خُمُسَهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ، وَتُقَسَّمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فِي الْغَانِمِينَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَرْضَخَ لَهُمْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَضْعَفُ مِنَ الْغَانِمِينَ حُكْمًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونُوا أَقْوَى حَقًّا؛ فَعَلَى هَذَا يَبْدَأُ بِالسَّلَبِ ثُمَّ بِالْأُجُورِ ثُمَّ بِالْخُمُسِ ثُمَّ بِالرَّضْخِ ثُمَّ يُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَتِهَا وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقَاوِيلِ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ في بعض منصوصاته.

مسألة:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ثُمَّ يَعْرِفُ عَدَدَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْقِتَالَ فَيَضْرِبُ كَمَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلَلْفَارِسِ سَهْمًا وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا وَلَيْسَ يملك الفرس شيئا إنما يملكه صاحبه لما تكلف من اتخاذه واحتمل من مؤنته وندب الله تعالى إلى اتخاذه لعدوه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

إِذَا أَفْرَدَ الإمام خمس الغنيمة على أربعة أخامسها يَبْدَأُ بالْغَانِمِينَ، فَقَسَّمَ فِيهِمْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ، وقدمهم على أهل الخمس لثلاثة معاني:

أَحَدُهَا: لِحُضُورِهِمْ وَغَيْبَةِ أَهْلِ الْخُمُسِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ اجْتِهَادِهِمْ فَصَارَ مُعَاوَضَةً وَحَقُّ أَهْلِ الخمس مواساة.

والثالث: أن يهم مِلْكَ أَهْلِ الْخُمُسِ خُمُسَهُمْ؛ فَكَانُوا أَقْوَى فِي الْغَنِيمَةِ مِنْهُمْ فَإِذَا شَرَعَ فِي قِسْمَتِهَا فِيهِمْ لَمْ يَخْلُ حَالُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

إِمَّا أَنْ يَكُونُوا رَجَّالَةً لَا فَارِسَ فِيهِمْ، أَوْ فُرْسَانًا لَا رِجَالَ فِيهِمْ أَوْ يَكُونُوا فُرْسَانًا وَرِجَالًا.

فَإِنْ كَانُوا رَجَّالَةً لَا فَارِسَ فِيهِمْ أَوْ فُرْسَانًا لَا رِجَالَ فِيهِمْ سَوَّى بَيْنَهُمْ، وَقَسَمَهَا عَلَى أَعْدَادِ رُؤُوسِهِمْ وَلَمْ يُفَضِّلْ شُجَاعًا عَلَى جَبَانٍ، وَلَا مُحَارِبًا عَلَى كَافٍّ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ حَاضِرٌ مُكَثِّرٌ، وَرَدٌّ مَهِيبٌ كَمَا يُسَوَّى فِي الْمَوَارِيثِ بَيْنَ الْبَارِّ وَالْعَاقِّ، وَالْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ لِتَسَاوِيهِمْ فِي النَّسَبِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015