يَا مُحَمَّدُ مُنَّ عَلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمُنُّ عَلَيْكَ حَتَّى تَأْتِيَ مَكَّةَ فَتَقُولُ فِي نَادِي قُرَيْشٍ: سَخِرْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ، لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ، اقْتُلُوهُ فَقُتِلَ.
وَأَمَّا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَلَمَّا أُسِرَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِقَتْلِهِ، فَقَالَ مَنِ الْمُصِيبَةُ فَقَالَ: النَّارُ، وَأَمَّا ابْنُ خَطَلٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ أَبَاحَ دَمَ سِتَّةٍ هُوَ مِنْهُمْ، فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَهُوَ آمِنٌ " وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَثْنَى السِّتَّةَ وَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا أُقِرَّ بِذَلِكَ قَالَ اقْتُلُوهُ فَقُتِلَ.
وَأَمَّا النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ بِقَتْلِهِ حِينَ أُسِرَ فَقُتِلَ فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ اسْتَقْبَلَتْهُ قُتَيْلَةُ بِنْتُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَأَنْشَدَتْهُ:
(أَمُحَمَّدٌ وَلَدَتْكَ خَيْرُ نَجِيبَةٍ ... مِنْ قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ)
(مَا كَانَ ضَرُّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ)
(فَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ تَرَكْتَ قَرَابَةً ... وَأَحَقُّهُمْ إِنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ)
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ سَمِعْتُ شِعْرَهَا مَا قَتَلْتُهُ.
فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْأَسْرَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فشدوا الوثاق} وفي الآية تأويلان:
أحدها: إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ بِالظَّفَرِ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ بِالْأَسْرِ.
وَالثَّانِي: إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ بِالْأَسْرِ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ بِالِاسْتِرْقَاقِ وَقَدِ اسْتَرَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَهَوَازِنَ وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، فَقَالَ لَهُ قَدْ أَسْلَمْتُ، فَقَالَ: لَوْ أَسْلَمْتَ قَبْلَ هَذَا لَكُنْتَ قَدْ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ.
وَأَمَّا الْفِدَاءُ وَالْمَنُّ فَاسْتِدْلَالُ أبي حنيفة عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يثخن في الأرض} إِلَى قَوْلِهِ: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67، 68] يَعْنِي من أموال الفداء في أسرى