عثمان بن عفان، وطلحة - رضي الله عنهما - أَمَّا عُثْمَانُ فَلِتَشَاغُلِهِ بِتَمْرِيضِ زَوْجَتِهِ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأَمَّا طَلْحَةُ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ كَانَ أَنْفَذَهُ لِيَتَعَرَّفَ خَبَرَ الْعِيرِ وَأَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، فَلَمَّا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى مَالَ الْغَنِيمَةِ إِلَى الْغَانِمِينَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ خُمُسِهِ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَنْ سَمَّى مَعَهُ أَهْلَ الْخُمُسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى والمساكين وابن السبيل} دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] . فَدَلَّ إِضَافَةُ الْمَالِ إِلَيْهِمَا عَلَى اسْتِثْنَاءِ الثُّلُثِ مِنْهُ لِلْأُمِّ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي لِلْأَبِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَارَةً مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَتَارَةً مُسْنَدًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ " فَصَارَ مَالُ الْغَنِيمَةِ مَقْسُومًا عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا، خَمْسَةٌ مِنْهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وذوي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينُ، وَابْنُ السَّبِيلِ، وَفِيهِ خِلَافٌ يُذْكَرُ مِنْ بَعْدُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَهُوَ عِشْرُونَ سَهْمًا تُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، وَلَا يُفَضَّلُ ذُو غِنًى عَلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا حُكْمُ مَالِ الْغَنِيمَةِ.
[حكم مال الفيء]
وَأَمَّا مَالُ الْفَيْءِ، وَهِيَ الْأَمْوَالُ الْوَاصِلَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، كَالَّذِي انْجَلَى عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَوْفًا وَرُعْبًا، كَالْأَمْوَالِ الَّتِي صَالَحُونَا بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَدِيَارِهِمْ، وأموالهم استكفافا وتورعا، والمأخوذة من عشور أموالهم إذا دخلوا علينا فجارا وَالْجِزْيَةِ الَّتِي نُقِرُّهُمْ بِهَا فِي دَارِنَا، وَقَالَ: الخراج الْمَضْرُوبِ عَلَى أَرَاضِيهِمْ، وَالْأَرْضِينَ الْمَأْخُوذَةِ عَفْوًا مِنْهُمْ، وَقَالَ مَنْ مَاتَ فِي دَارِنَا وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْهُمْ، كُلُّ ذَلِكَ فَيْءٌ، لِأَنَّهُ وَاصَلٌ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ في الجديد، وله في التقديم قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ الْفَيْءَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا انْجَلَى عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ ذَلِكَ خَوْفًا وَرُعْبًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: 7] وَمَا سِوَاهُ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَعُشُورِ تِجَارَتِهِمْ وَمِيرَاثِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ فَيْئًا، وَيَكُونُ مَصْرُوفًا فِي الْمَصَالِحِ وَلَا يُخَمَّسُ، وَالْقَوْلُ الأول من قوله أصح، لاستواء جميعها في الوصول إلينا بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَإِذَا كَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَيْئًا فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَمْلِكُ جَمِيعَ الْفَيْءِ كَمَا مَلَكَ جَمِيعَ الْغَنِيمَةِ، وَلِذَلِكَ مَلَكَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ، فَكَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ وَصَارَتْ مِنْ صَدَقَاتِهِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا إِلَى أَنْ أَنْزَلَ الله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل