وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ بِالنَّهْيِ عَنِ النَّوْمِ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةَ خَوْفًا مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ، فَفِي ضَمَانِهِ إِذَا نَامَ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَهُ حِرْزًا، فَصَارَ كَمَنْ أُودِعَ خَرِيطَةً فَجَعَلَهَا فِي خَرِيطَةٍ ثَانِيَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، يَضْمَنُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا وَالْإِغْرَاءِ بِهَا، وَهَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْفِلَهَا بِقُفْلٍ وَاحِدٍ فَقَفَلَهَا بِقُفْلَيْنِ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَهَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَدْفِنَهَا فِي أَرْضٍ لَيْسَ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَدَفَنَهَا فِيهَا وَبَنَى عليها حائط كَانَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَهَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا فِي بَيْتٍ لَا يَحْفَظُهُ أَحَدٌ فَأَقَامَ فِيهِ مَنْ يَحْفَظُهُ فَسُرِقَتْ، فَإِنْ كَانَ الْحَافِظُ لَهَا سَرَقَهَا ضَمِنَ، وَإِنْ سَرَقَهَا غَيْرُهُ فضمانه على وجهين.
قال الشافعي: " وَلَوْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي شَيْئًا ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتَ اسْتَوْدَعْتَنِيهِ فَهَلَكَ ضَمِنَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً ثُمَّ طَالَبَهُ بِهَا فَجَحَدَهَا وَقَالَ: لَمْ تُودِعْنِي شَيْئًا، ثُمَّ عَادَ فَاعْتَرَفَ بِهَا وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ اسْتُودِعْتُهَا وَتَلِفَتْ، أَوْ قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَادَّعَى بِتَلَفِهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالْجَحْدِ مُتَعَدِّيًا فَضَمِنَهَا، وَمَنْ ضَمِنَ وَدِيعَةً لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْغُرْمُ بِتَلَفِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ الْأَوَّلِ قَدْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِادِّعَاءِ التَّلَفِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى تَلَفِهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَشْهَدَ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِتَلَفِهَا بَعْدَ الْجُحُودِ، فَلَا تُسْمَعُ وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بَعْدَ الضمان ولو سأل إحلاف المودع أنه لا يَعْلَمُ بِتَلَفِهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَشْهَدَ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِتَلَفِهَا قَبْلَ الْجُحُودِ، فَفِي اسْتِمَاعِهَا وَالْحُكْمِ بِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يسمح وَيَحْكُمُ بِهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ، لِأَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ ضَمَانِهَا بِالْجُحُودِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ وَلَا تُسْقِطُ عَنْهُ الْغُرْمَ، لِأَنَّهُ قَدْ كَذَّبَ لَهَا بِالْجَحُودِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَلَوْ قَالَ حِينَ طُولِبَ بِالْوَدِيعَةِ: لَيْسَ لَكَ مَعِي وَدِيعَةٌ، أَوْ لَا حَقَّ لَكَ فِي يَدِي، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَادَّعَى تَلَفَهَا قُبِلَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ ليس في القولين تكاذب، وَمَنْ تَلِفَتِ الْوَدِيعَةُ مِنْهُ فَلَا وَدِيعَةَ مَعَهُ وَلَا فِي يَدِهِ، وَخَالَفَ حَالُ الْمُنْكِرِ لَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَكَاذُبِ الْقَوْلَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.