وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ رَدَّ الْوَدِيعَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُودَعِ بِأَمْرِ الْمُودِعِ فَقَوْلُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَى الْمُودِعِ مِنَ الْأَمْرِ وَالدَّفْعِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولٌ، كَمَا لَوِ ادَّعَى رَدَّهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَلَى أَمَانَتِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُقْبَلَ عَلَى الْمُودِعِ الَّذِي لَيْسَ بِمَدْفُوعٍ إِلَيْهِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَرِينَةٌ وَدَلِيلٌ أَنَّهُ قَدِ ادَّعَى عَلَى الْمَدْفُوعِ إِذْنًا لَمْ يَتَضَمَّنْهُ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ، وَفِي ادِّعَاءِ الرَّدِّ يَكُونُ مُدَّعِيًا لِمَا تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ فَقِيلَ قَوْلُهُ فِيهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِذْنِ وَالدَّفْعِ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُودِعِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْإِذْنِ أَوْ يُنْكِرَهُ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنٌ لِلْوَدِيعَةِ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى غَيْرِ مَالِكِهَا، ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ أَوْ تَالِفَةً، فَإِنْ كَانَتْ بَاقيَةً فَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ اسْتِرْجَاعُهَا مِنَ الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ وَرَدُّهَا عَلَى الْمُودِعِ الْمَالِكِ، وَلِلْمُودِعِ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ بِالرَّدِّ، وَإِنْ لَزِمَ فِي الرَّدِّ مُؤْنَةٌ الْتَزَمَهَا الْمُسْتَوْدَعُ لِأَنَّ بِعُدْوَانِهِ لَزِمَتْ.
وَإِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ تَالِفَةً - فَلَا يَخْلُو - حَالُ الْمَدْفُوعَةِ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِقَبْضِهَا أَوْ مُنْكِرًا، فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنَ الْمُطَالَبَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَدَّعِيهَا عَلَيْهِ، وَالدَّافِعُ مُقِرٌّ له بالإبراء إلا أن يدعي دفعها إِلَيْهِ قَرْضًا أَوْ عَارِيَةً وَلَا وَدِيعَةً فَيَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، ثُمَّ لِلْمُودِعِ الرُّجُوعُ بِغُرْمِهَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.
فَصْلٌ:
وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ مُقِرًّا بِقَبْضِهَا مِنْهُ فَالْمُودِعُ بِالْخِيَارِ فِي الرُّجُوعِ بِغُرْمِهَا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ كَانَ لَهُ، لِعُدْوَانِهِ بِالدَّفْعِ، وَإِنْ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ كَانَ لَهُ، لِعُدْوَانِهِ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِمَا عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَرَادَ الْغَارِمُ لَهُمَا الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى صَاحِبِهِ نُظِرَ فِي سَبَبِ الدَّفْعِ فَسَتَجِدُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ أَمَرَنِي بِدَفْعِهَا قَرْضًا.
وَالثَّانِي: عَارِيَةً.
وَالثَّالِثُ: قَضَاءً مِنْ دَيْنٍ.
وَالرَّابِعُ: هِبَةً.
وَالْخَامِسُ: وَدِيعَةً، فَإِنْ قَالَ: أَمَرَنِي بِدَفْعِهَا قَرْضًا، أَوْ عَارِيَةً فَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الضَّمَانِ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ قَدْ رَجَعَ بِالْغُرْمِ عَلَى الدَّافِعِ، رَجَعَ الدَّافِعُ بِهِ عَلَى