أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَعَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ وَثَابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن حكم الحيض والحائض، واختلف في سبب سُؤَالِهِمْ، فَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ سَبَبُ سُؤَالِهِمْ أَنَّ الْعَرَبَ، وَمَنْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَجْتَنِبُونَ مُسَاكَنَةَ الْحَائِضِ وَمُوَاكَلَتَهَا وَمُشَارَبَتَهَا فَسَأَلُوا عَنْهُ لِيَعْلَمُوا حُكْمَ الشَّرْعِ فِيهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَلْ كَانُوا يَعْتَزِلُونَ وَطْأَهُنَّ فِي الْفَرْجِ وَيَأْتُوهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ مُدَّةَ حَيْضِهِنَّ فَسَأَلُوا لِيَعْلَمُوا حُكْمَهُ فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) {البقرة: 222) .
فَبَدَأَ بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) {البقرة: 222) فَالْمَحِيضُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِبَارَةً عَنْ دَمِ الْحَيْضِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ العلم، وقوله هو أذىً فَالْأَذَى هُوَ مَا يُؤْذِي فَسَمَّى دَمَ الْحَيْضِ أذى؛ لأنه له لوناً ورائحة منتة وَنَجَاسَةٌ مُؤْذِيَةٌ مَعَ مَنْعِهِ مِنْ عِبَادَاتٍ وَتَغَيُّرِ أَحْكَامٍ، وَقَوْلُهُ {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ) {البقرة: 222) فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: اعْتِزَالُ جَمِيعِ بَدَنِهَا أَنْ يُبَاشِرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَهَذَا قَوْلُ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ اسْتِعْمَالًا لِعُمُومِ اللَّفْظِ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ اعْتِزَالُ وَطْئِهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِرِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُنَّ المرأة أخرجوها من البيت ولم يواكلوها، وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) {البقرة: 222) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ وَرَوَتْ صَفِيَّةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي فَيَقْرَأُ وَأَنَا حائضٌ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأَدْنُو إِلَى الْحَائِضِ، وَمَالِي إليها ضرورة أي: ميل إِلَيْهَا لِحَاجَةٍ وَقَوْلُهُ فِي الْمَحِيضِ فِي هَذَا الْمَحِيضِ الثَّانِي ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ دَمُ الْحَيْضِ كَالْحَيْضِ الْأَوَّلِ.
وَالثَّانِي: زَمَانُ الْحَيْضِ لِيَعُمَّ زَمَانَ جَرَيَانِ الدَّمِ وَمَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ أَوْقَاتِ انقطاعه.