قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ رَجُلًا دَابَّةً فَلَا يَخْلُو حَالُهُ عِنْدَ إِيدَاعِهَا عِنْدَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَأْمُرَهُ بِعَلْفِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ عَلْفِهَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَأْمُرَهُ وَلَا يَنْهَاهُ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِعَلْفِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْبِطَهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا، وَيَعْلِفَهَا وَيَسْقِيَهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا، وَقَدْرَ كِفَايَتِهَا، فَإِنْ عَلَفَهَا مَعَ دَوَابِّهِ فِي مَنْزِلِهِ وَكَانَ حِرْزًا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا ضَمِنَ، وَإِنْ عَلَفَهَا مَعَ دَوَابِّهِ وَفِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا أَوْ كَانَ إِلَّا أَنَّ الْقَيِّمَ بِهَا إِذَا لَمْ يُشَاهِدْهُ قَصَّرَ فِي عَلْفِهَا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ حِرْزًا وَالْقَيِّمُ بِهَا إِذَا أَفْرَدَهُ بِعَلْفِهَا مَعَ غَيْرِ دَوَابِّهِ لَمْ يُقَصِّرْ فِي عَلْفِهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِطْلَاقِ الضَّمَانِ مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا.
وقال أبو سعيد الإصطرخي: مَتَى عَزَلَهَا عَنْ دَوَابِّهِ وَعَلَفَهَا فِي غَيْرِ إصْطَبْلِهِ ضَمِنَهَا بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ فِعْلِ نَظِيرِهِ لِنَفْسِهِ أَنَّ إِصْطَبْلَهُ أَحْرَزُ، وَعَلْفَهَا مَعَ دَوَابِّهِ أَحْوَطُ، فَإِنْ ثَبْتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حَالِ حِرْزِهَا وَعَلْفِهَا فَلَا يَخْلُو حَالُهُ فِي الْإِذْنِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ الرُّجُوعَ، أَوْ لَا يَشْتَرِطَ لَهُ الرُّجُوعَ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ الرُّجُوعَ فَقَالَ: أَنْفِقْ عليها لترجع علي، أو أنفق علي ففي وجوب تقديره للنفقة وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ تَقْدِيرُهَا لِتَنْتَفِيَ الْجَهَالَةُ عَنْ ضَمَانِهَا، وَلِيَزُولَ الْخُلْفُ بَيْنَهُمَا فِي قَدْرِهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ الْمُودِعِ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ، وَإِنْ قَدَّرَ لَهُ قَدْرًا رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ تَقْدِيرُهَا لِأَنَّ لِنَفَقَتِهَا حَدًّا يُرَاعَى فِيهِ كِفَايَتُهَا فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّقْدِيرِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الْآذِنُ فِي النَّفَقَةِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِنَفْسِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِهَا إِذَا لَمْ يَدَّعِ سَرَفًا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ حِينَ أَذِنَ فِيهَا فَفِي جَوَازِ رُجُوعِهِ بِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ اعْتِبَارًا بِالْأَغْلَبِ مِنْ حَالِ الْإِذْنِ.
وَالثَّانِي: لَا يَرْجِعُ لِاحْتِمَالِ الْإِذْنِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ عَلْفِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَدَعَ عَلْفَهَا، لِأَنَّهَا ذَاتُ نَفْسٍ يَحْرُمُ تَعْذِيبُهَا، وَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ ذَبْحِ الْبَهَائِمِ إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَقَالَ: " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ " وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ حَتَّى يُجْبِرَ الْمَالِكَ عَلَى عَلْفِهَا إِنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ يَأْذَنَ لَهُ فِي عَلْفِهَا لِيَرْجِعَ بِهِ إِنْ كَانَ غَائِبًا، فَإِنْ عَلَفَهَا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ تَرَكَهَا فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى هَلَكَتْ فَالْمَحْكِيُّ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ،