الحاوي الكبير (صفحة 3704)

وَالْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَلِي عَلَى الطِّفْلِ في حياته بنفسه، لأنه يقيم الوصية مَقَامَ نَفْسِهِ فَلَمْ تَصِحَّ إِلَّا مِمَّنْ قَدِ اسْتَحَقَّ الْوِلَايَةَ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ فِي الْوَالِدَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْوِلَايَةِ عَلَى الْأَطْفَالِ مِنْ غَيْرِ الْآبَاءِ، كَمَا تَصِحُّ مِنَ الْآبَاءِ.

وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ فِي الْوَالِدِ بَعْضِية باين بها غيره.

والقول الثاني: إنَّ لِلْوَالِدِ فِي حَيَاتِهِ وِلَايَةً لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ. فَمِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اخْتَصَّتِ الْوَصِيَّةُ بِالْآبَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ.

وَإِذَا كَانَ هَكَذَا، فَالَّذِي يَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَيُوصِي بِهَا عِنْدَ وَفَاتِهِ هُوَ الْأَبُ وَآبَاؤُهُ. فَأَمَّا الْأُمُّ فَفِي وِلَايَتِهَا عَلَى صِغَارِ وَلَدِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ إِنَّهُ لَهَا عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ كَالْأَبِ، لِمَا فِيهَا مِنَ البعضية، وأنها برأفة الأنوثة، أحن عَلَيْهِمْ وَأَشْفَقُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لَا وِلَايَةَ لَهَا، لِأَنَّهَا لَمَّا قَصُرَتْ بِنَقْصِ الْأُنُوثَةِ عَنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ الَّتِي تَسْرِي فِي جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ، كَانَ أَوْلَى أَنْ تقصرَ عَمَّا يَخْتَصُّ مِنَ الْوِلَايَةِ بِالْآبَاءِ دُونَ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ.

فَعَلَى هَذَا: إِنْ قِيلَ إِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا: لَمْ تَصِحَّ مِنْهَا الْوَصِيَّةُ بِالْوِلَايَةِ عَلَى أَطْفَالِهَا. وَإِذَا قِيلَ إِنَّ لَهَا الْوِلَايَةُ بِنَفْسِهَا، فَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ الْأَبِ. وَهَلْ يَسْتَحِقُّهَا أَبُو الْأُمِّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّهَا كَأُمِّ الْأُمِّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوِلَادَةِ وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْوِلَايَةِ عَلَى الْأُمِّ مِنْ أُمِّهَا.

وَالثَّانِي: لَا وِلَايَةَ لَهُ، لِأَنَّ سُقُوطَ مِيرَاثِهِ قَدْ حَطَّهُ مِنْ مَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ.

فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَعْدَ الْآبَاءِ لِلْأُمِّ. فَإِذَا اجْتَمَعَ بَعْدَ الأم، أم أب وأم أم ففي أحقيتهما بِالْوِلَايَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أُمُّ الْأَبِ، لِأَنَّ الْأَبَ بالولاية أحق.

والقول الثاني: أُمُّ الْأُمِّ، لِأَنَّهَا بِالْحَضَانَةِ أَحَقُّ.

فَإِذَا أَوْصَتْ مُسْتَحِقَّةُ الْوِلَايَةِ مِنَ الْأُمَّهَاتِ، بِالْوِلَايَةِ عَلَى الْأَطْفَالِ: صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ.

وَالشَّرْطُ السَّادِسُ: أَن لا يَكُونَ للطفل من يستحق الولاية بنفسه، لأنه مستحق الولاية بنفسه، أولى من مستحقها بِغَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى الْأَبُ بِالْوِلَايَةِ عَلَى أَطْفَالٍ وَهُنَاكَ جَدٌّ: كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015