كَمَا يُعْدَمُ بِاللِّعَانِ لِلْجَهْلِ بِالنَّسَبِ فَلَمَّا كَانَ عَدَمُهُ بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى الْأُمِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ بِاللِّعَانِ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى الْأُمِّ وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ عَدَمَ التعصيب من جهة لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى غَيْرِ جِهَتِهِ كَالْمَوْتِ، وَلِأَنَّ الْأُمَّ لَوْ صَارَتْ عَصَبَةً كَالْأَبِ لَوَجَبَ أَنْ تَحْجُبَ الْإِخْوَةَ كَمَا يَحْجُبُهُمُ الْأَبُ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَعْصِيبِهَا، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَصَبَةِ لِلْمِيرَاثِ فِي مُقَابَلَةٍ تَحْمِلُهُمْ لِلْعَقْلِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ فَلَمَّا لَمْ تَعْقِلْ عَصَبَةُ الْأُمِّ وَلَمْ يُزَوِّجُوا لَمْ يَرِثُوا.
وتحريره قياسا أن ما تفرع من النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِثُبُوتِ النَّسَبِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقْلِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَهُوَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ لَهُ جَدَّيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا تَابِعِيٌّ، وَالثَّانِي صَحَابِيٌّ، فَإِذَا لم يعين أحدهما لحق بالمرسل فَلَمْ يُلْزِمِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ أَنَّهُ جَعَلَ مِيرَاثَهُ لِأُمِّهِ إِذَا كَانَ لَهَا عليه ولاء ثم لورثته وَلَائهَا مِنْ بَعْدِهَا وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا تَحُوزُ مِيرَاثَهُ وَهُوَ قَدْرُ فَرْضِهَا، وَيُسْتَفَادُ بِهِ أَنَّ لِعَانَهَا عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ ميراثها منه.
أما حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ فَمُرْسَلٌ ثُمَّ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ وَلَدِ الملاعنة لمن قضى به قالوا: قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ في كفالته والقيام بحضانته؛ لأنه لم يجز لِلْمِيرَاثِ فِيهِ ذِكْرٌ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْوَلَاءِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَقْوَى وَخَالَفَ النَّسَبَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَكَذَا مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ مِنَ التَّعْصِيبِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ ما وصفنا ومات ابن الملاعنة فترك أُمَّهُ وَخَالًا فَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة وَهُوَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَالُ كُلُّهُ لِأُمِّهِ وَعَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْخَالِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْأُمِّ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِمَوَالِيهَا إِنْ كَانَ عَلَى الْأُمِّ وَلَاءٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي وَلَاءِ أُمِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأُمِّ وَلَاءٌ فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَوْ تَرَكَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ أُمًّا وَأَخًا وَأُخْتًا فَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأُمِّ، وَعَلَى قول أحمد بن حنبل وهو قول علي عليه السلام لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَلِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِبَيْتِ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ تَوْأَمَيْنِ ابْنَيْنِ فَمَاتَ أحدهما فترك أُمَّهُ وَأَخَاهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَخِيهِ هَلْ يَرِثُهُ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ أَوْ مِيرَاثَ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الأكثرين من أصحابنا أنه يرث ميراث أخ لأم، لأنهما لم عَدِمَا الْأَبَ عَدِمَا الْإِدْلَاءَ بِالْأَبِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِأَخِيهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى إِنْ كَانَ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ.