قال لها: أنت طالق إن صليت الفرائض أَوْ صُمْتِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَصَلَّتْ وَصَامَتْ، كَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنَ الصلاة والصيام، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ أَكَلْتِ هَذَا الطَّعَامَ أَوْ لَبِسْتِ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ كَلَّمْتِ هَذَا الرَّجُلَ، أَوْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ تَطَوَّعْتِ بِصَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ طُلِّقَتْ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بُدًّا فَصَارَتْ مُخْتَارَةً لِوُقُوعِ الطلاق إلا أن لا تعلم يمينه فَتَرِثُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَارَةٍ لِلطَّلَاقِ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ زَوْجَتَهُ وَكَانَتْ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ أَوْ أَمَةً فَأُعْتِقَتْ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَقْتَ طَلَاقِهَا لَمْ تَرِثْ فَصَارَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ إِسْلَامِهَا وَعِتْقِهَا وَرِثَتْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ إِلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِإِسْلَامِهَا وَلَا بِعِتْقِهَا حِينَ طَلَّقَهَا فَلَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، فَلَوْ قَالَ لَهَا السَّيِّدُ: أَنْتِ حُرَّةٌ في غد وطلقها الزوج في يومه ورثت؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ حِينَ عَلِمَ بِعِتْقِهَا فَإِنْ لَمْ يعلم فلا ميراث، وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَأَعْتَقَهَا السَّيِّدُ فِي يَوْمِهِ فَلَا مِيرَاثَ لها وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لأنه غير متهم حين طلقها فَلَوْ قَالَ لَهَا السَّيِّدُ أَنْتِ حُرَّةٌ فِي غَدٍ فَلَمَّا عَلِمَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَهَا الْمِيرَاثُ لِاتِّهَامِهِ فِيهِ.
وَالثَّانِي: لَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْمِيرَاثَ بِطَلَاقٍ لَمْ يتقدم عَلَيْهِ الْحُرِّيَّةُ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَارْتَدَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ لَمْ تَرِثْهُ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَرِثُهُ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اخْتِيَارَهَا لِلطَّلَاقِ مَانِعٌ مِنْ مِيرَاثِهَا وَهِيَ بِالرِّدَّةِ مُخْتَارَةٌ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ قَدْ صَارَتْ إِلَى حَالٍ لَوْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ.
فَأَمَّا إِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجُ دُونَهَا بَعْدَ طلاقه وفي مَرَضِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا تَرِثُهُ وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ تَرِثُهُ، وَفَرَّقَ أبو حنيفة بَيْنَ رِدَّتِهَا وَرِدَّتِهِ، بِأَنَّ رِدَّتَهَا اخْتِيَارٌ مِنْهَا لِلْفُرْقَةِ وليس ردته اختيار فيها لِذَلِكَ، وَهَذَا الْفَرْقُ فَاسِدٌ؛ لِاسْتِوَاءِ الرِّدَّتَيْنِ فِي إفضائهما إِلَى حَال لَوْ مَاتَ فِيهَا لَمْ تَرِثْهُ فَاسْتَوَتْ رِدَّتُهَا فِي ذَلِكَ وَرِدَّتُهُ، وَلَوِ ارْتَدَتِ الزَّوْجَةُ فِي مَرَضِهَا ثُمَّ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا الزَّوْجُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يَرِثُهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بذلك في إزوائه عَنِ الْمِيرَاثِ كَمَا يُتَّهَمُ الزَّوْجُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْسُبُ الْعَاقِلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِالرِّدَّةِ إزواء وَارِثٍ وَضَرَرُهُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِهِ عَلَى الْوَارِثِ ولَيْسَ كَالطَّلَاقِ الَّذِي لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فيه.