وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: إِنْ قَتَلَهُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ متهومٌ فِي تَعْدِيلِهَا وإن قتله بإقراره ورثه لأنه غير متهوم.
فَمِنْ فُرُوعِ مَا مَهَّدْنَاهُ أَنَّ ثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ لَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمْ أَبَاهُمْ عَمْدًا كَانَ مِيرَاثُ الْأَبِ لِلْأَخَوَيْنِ سِوَى الْقَاتِلِ، وَلَهُمَا قَتْلُ الْقَاتِلِ فَإِنْ قَتَلَاهُ قَوَدًا لَمْ يَرِثَاهُ فَلَوْ لَمْ يَقْتُلَاهُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ مِيرَاثُهُ بين القاتل والثاني مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ مَقْتُولَهُ، وَيَرِثُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ لِلْأَخِ الْبَاقِي أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرِثَ مِنْ أَخِيهِ نِصْفَ حق وَذَلِكَ رُبُعُ دَمِ نَفْسِهِ فَسَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بَعْضَ نَفْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِأَخِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دَمِ أبيه نصفه لميراثه عَنْ أَبِيهِ وَرُبُعُهُ بِمِيرَاثِهِ عَنْ أَخِيهِ.
فَصْلٌ:
وَمِنْ فُرُوعِهِ أَيْضًا لَوْ أَنَّ أَخَوَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ قَتَلَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ أُمَّهُمْ عَمْدًا وَأَبُوهُمْ وَارِثُهَا كَانَ مِيرَاثُ الْأُمِّ بَيْنَ زَوْجِهَا وابنها وبنتها عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ لِأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ فَلَوْ لَمْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ حَتَّى مَاتَتِ الْأُخْتُ كَانَ لِلْأَبِ وَالْأَخِ غَيْرِ الْقَاتِلِ أَنْ يَقْتُلَاهُ لِأَنَّ مِيرَاثَ الْأُخْتِ صَارَ إِلَى الأب فلم يرث القاتل منه شَيْئًا فَلَوْ مَاتَ الْأَبُ سَقَطَ الْقَوَدُ عَنِ الْقَاتِلِ، لِأَنَّ مِيرَاثَهُ صَارَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيهِ، وَصَارَ لِلْأَخِ عَلَى الْقَاتِلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دَمِ الأم، لأن الأب قد كان ورث منهما بالزوجية الربع وورث عن بِنْتِهِ الرُّبُعَ فَصَارَ لَهُ بِالْمِيرَاثِ النِّصْفُ، وَلِلْأَخِ النِّصْفُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنِ النِّصْفِ فَصَارَ بين القاتل والأخ نصفين والله أعلم.
قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ عَمِيَ مَوْتُهُ صنفان عرقى وَمَفْقُودُونَ. فَأَمَّا الْغَرْقَى وَمَنْ ضَارَعَهُمْ مِنَ الْمَوْتَى تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ فِي حَرِيقٍ فَلَا يَخْلُو حالهم من أربعة أقسام:
أحدهما: أن يعلم ويتيقن مَوْتهُمْ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ وَتَأَخَّرَ فَهَذَا يُوَرّثُ الْمُتَأَخِّر مِنَ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا يُوَرّثُ الْمُتَقَدِّمَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِ وَهَذَا إِجْمَاعٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ يَقِينُ مَوْتِهِمْ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ بَعْضهم عَلَى بَعْضٍ فَهَذَا يُقْطَعُ فِيهِ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمْ بِإِجْمَاعٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يقطع أَيُّهُمْ مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ ثُمَّ يَطْرَأَ الْإِشْكَالُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَهَذَا يُوقِفُ مِنْ تَرِكَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِيرَاثَ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَيُقَسَّمُ مَا سِوَاهُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ مَوْضُوعًا حَتَّى يَزُولَ الشَّكُّ أَوْ يَقَعَ فِيهِ الصُّلْحُ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقَعَ الشَّكُّ فِيهِمْ فَلَا يُعْلَمُ هَلْ مَاتُوا مَعًا أَوْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَا يُعْلَمُ الْمُتَقَدِّمُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّوَارُثَ بَيْنَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَيَدْفَعُ مِيرَاثَ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى غَيْرِ مَنْ هَلَكَ مَعَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَالْحُسْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثابت