الحاوي الكبير (صفحة 3451)

بَيْنَهُمْ حَيْثُ يَقُولُ فِي حِكَايَتِهِ عَنْهُمْ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113] وَتَقَاطُعُهُمْ يَمْنَعُ مِنْ تَوَارُثِهِمْ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ شَرَائِعِهِمْ يُوجِبُ اخْتِلَافَ مِلَلِهِمْ، وَلِأَنَّ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ التَّبَايُنِ كَالَّذِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ مِنَ التَّبَايُنِ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ مِلَلُهُمْ مُخْتَلِفَةً.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وقال الله تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120] فَجَمَعَهُمَا وَرَوَى عَمْرُو بن مرة عن أبي البختري الطائي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " الناس خير وأنا وأصحابي خير " وَلِأَنَّهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي الْكُفْرِ وَإِنْ تَنَوَّعُوا كَمَا أن المسلمون مُشْتَرِكُونَ فِي الْحَقِّ وَإِنْ تَنَوَّعُوا وَلَيْسَ التَّبَايُنُ بَيْنَهُمْ بِمَانِعٍ مِنْ تَوَارُثِهِمْ كَمَا يَتَبَايَن أَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي مَذَاهِبِهِمْ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافَ تَوَارُثِهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ إِسْلَامٌ أَوْ كُفْرٌ لَا ثَالِثَ لَهُمَا.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوَارُثِهِمْ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يتوارثون منهم وَأَهْل الْعَهْدِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى اخْتِلَافِ دِيَارِهِمْ وَأَهْلَ الْحَرْبِ يَتَوَارَثُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وإن اختلفت ديارهم وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا تَوَارُثَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعَهْدِ لَا تَوَارُثَ بَيْنِهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْحَرْبِ يَتَوَارَثُونَ ما لم يختلف بِهِمُ الدَّارُ، وَاخْتِلَافُ دَارِهِمْ يَكُونُ بِاخْتِلَافِ مُلُوكِهِمْ وَمُعَادَاةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الدِّينِ كَالتُّرْكِ وَالرُّومِ فَلَا يُوَرَّثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.

فَصْلٌ:

فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَذَاهِبِ إِذَا مَاتَ يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَتَرَكَ أُمًّا مِثْلَهُ يَهُودِيَّةً وَابْنًا مُسْلِمًا وَأَرْبَعَةَ إِخْوَةٍ أَحَدُهُمْ يَهُودِيٌّ ذِمِّيٌّ وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ ذِمِّيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ مُعَاهَدٌ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ حَرْبِيٌّ فَعَلَى قَوْلِ مُعَاذٍ لِأُمِّهِ الْيَهُودِيَّةِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِابْنِهِ الْمُسْلِمِ وَلَا شَيْءَ لِإِخْوَتِهِ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ الْيَهُودِيَّةِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِأَخِيهِ الْيَهُودِيِّ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي مِلَّتِهِ وَلَا يَحْجُبُ الْأُمَّ، لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ سِوَاهُ، وَعَلَى قَوْلِ أبي حنيفة لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ أَخِيهِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا شَيْءَ لِأَخِيهِ الْمَجُوسِيِّ، لِأَنَّهُ مُعَاهَدٌ وَلَا شَيْءَ لِأَخِيهِ الْوَثَنِيِّ، لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ إخوته الثلاثة اليهودي، والنصراني، والمجوسي المعاهد، لأنه أَهْلَ الْعَهْدِ يَرِثُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لِأَخِيهِ الْوَثَنِيِّ، لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ.

فَصْلٌ:

وَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَثَنِيَّةً مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَأُمًّا يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَابْنًا مُسْلِمًا وَبِنْتَ ابْنِ وَثَنِيَّةٍ تُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَأَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيٌّ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015