سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فترك أُمَّهُ فَوَرَّثَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَالَهُ كُلَّهُ قَالُوا وَلِأَنَّ كُلَّ مُنَاسِبٍ وَرِثَ بَعْضَ الْمَالِ مَعَ غَيْرِهِ جَازَ أَنْ يَرِثَ جَمِيعَهُ إِذَا انْفَرَدَ بِنَفْسِهِ كَالْعَصَبَةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَمَّا جاز أن ينفقوا من فروضهم بالعدل عِنْدَ زِيَادَةِ الْفُرُوضِ عَلَى التَّرِكَةِ جَازَ أَنْ يُزَادُوا بِالرَّدِّ عِنْدَ عَجْزِ الْفُرُوضِ عَنِ التَّرِكَةِ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَسمَ فُرُوضَ ذَوِي الْفُرُوضِ سَمَّاهُ فِي ثَلَاثِ آيٍ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قَدْ أَعْطَى اللَّهُ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ سَمَّى لَهُ فَرْضًا فَهُوَ قَدْرُ حَقِّهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُوَرَّثْ مَعَ غَيْرِهِ إِلَّا بِالْفَرْضِ لَمْ يُوَرَّثْ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ إِلَّا ذَلِكَ الْفَرْضَ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِوفاقٍ وَلِأَنَّ كُلَّ قَدْرٍ حُجِبَ عَنْهُ الشَّخْصُ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ حُجِبَ عَنْهُ وَإِنِ انْفَرَدَ بِهِ كَالْمَالِ الْمُسْتَحَقِّ بِالدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ ولأن كل من تجردت رحمه عن تعصيب لما يَأْخُذْ بِهَا مِنْ تَرِكَةٍ حَقَّيْنِ كَالْأُخْتِ لِلْأَبِ والأم لا تأخذ النصف لأنها أخت الأب والسدس لأنها أخت الأم فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَقَدْ مَضَى.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَى ميراث سالم إلى أمه فلمصلحة يراها مَنْ يَتَوَلَّى مَصَالِحَ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا دَفَعَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ميراث الخزاعي إلى الكبر مِنْ خُزَاعَةَ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعَصَبَةِ فَالْمَعْنَى فيهم إنما يستحقونه غير مقدر وليس كذلك ذووا الْفُرُوضِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَمَّا جاز أن ينفقوا بالعدل جاز أن يزادوا بالرد، فالجواب عنه للزيادة جهة يستحقها وَهِيَ بَيْتُ الْمَالِ فَلَمْ يَجُزْ رَدُّهَا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّقْصِ جِهَةَ تَمَامٍ جَازَ عَوْلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا إِذَا ضاق بِهِمْ دَخَلَ الْعَوْلُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ زَادَ عَنْهُمْ لَمْ يَجُزِ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَحَقُّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وبالفاضل عن ذوي السهام وأنه يَصِيرُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ إِرْثًا لَا فَيْئًا وَهَكَذَا مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ صَارَ مَالُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مِيرَاثًا وَقَالَ بَعْضُ الناس يكون فيئا لا ميراثا لأمور.
منهما: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِيرَاثًا لَوَجَبَ صَرْفُهُ إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ بَعْضِهِمْ وَلَوَجَبَ أَنْ يُفَضَّلَ فيه الذكر على الأنثى ولا يفرد بِهِ أَهْلُ عَصْرِ الْمَيِّتِ دُونَ مَنْ تَأَخَّرَ، وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَيْءٌ لَا مِيرَاثٌ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] فَكَانَتِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمْ تَمْنَعُ مِنْ أَحْكَامِ مَنْ خَالَفَهُمْ، وَلِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ يَعْقِلُ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُ مَالِهِ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ مِيرَاثًا كَالْعَصَبَةِ، وَلِأَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُهُ إلى بيت المال فيئا كالزكاوات.
وأما الجواب عن استدلالهم فهو أن تعيين الْوَارِث يَقْتَضِي مَا ذَكَرُوهُ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لم يقتضيه.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَحَقُّ إذا كان موجودا يصرف الْإِمَامُ الْعَدْلُ أَمْوَالَهُ فِي