قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْتِقَاطِهِ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَالْحُرُّ أَوْلَى بِكَفَالَتِهِ مِنَ الْعَبْدِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ وَالِيًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنْ كَفَالَتِهِ لِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، فَلَوِ انْفَرَدَ الْعَبْدُ بِالْتِقَاطِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَالسَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدٌ لَهُ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِكَفَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ كَسْبٌ وَهَذِهِ وِلَايَةٌ فَلَوْ أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْ عَبْدِهِ وَقَدِ الْتَقَطَهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُقَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمٌ وَصَارَ كَأَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْمُلْتَقِطُ لَهُ وَهَكَذَا حُكْمُ الْمُدَبَّرِ فِي الْتِقَاطِهِ كَالْعَبْدِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ عَلَّلْنَا مَنْعَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَالْمُكَاتَبُ مَمْنُوعٌ فِيهِ وَإِنْ عَلَّلْنَاهُ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِيهِ لِخِدْمَةِ السَّيِّدِ فَالْمُكَاتَبُ مُسْتَحِقٌّ لِكَفَالَتِهِ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ مِنَ السَّيِّدِ بِمَنَافِعِ نَفْسِهِ وَلَوْ شَارَكَهُ فِي الْتِقَاطِهِ حُرٌّ كَانَ الْحُرُّ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ لِكَمَالِ الْحُرِّ وَنَقْصِ الْمُكَاتَبِ وَأَمَّا الَّذِي نَصِفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُهَايَأَةٍ فَهُوَ كَالْعَبْدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي كَفَالَتِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ لِرِقِّهِ لِإِشْرَاكِ حُكْمِهِ وَأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ مَانِعَةٌ عَنْ كَفَالَتِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُهَايَأَةً فَلَا يَخْلُو حَالُ الْتِقَاطِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَلْتَقِطَهُ فِي زَمَانِ السَّيِّدِ فَيَكُونَ فِيهِ كَالْعَبْدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي كَفَالَتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَلْتَقِطَهُ فِي زَمَانِ نَفْسِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِكَفَالَتِهِ لِأَنَّهُ فِي زَمَانِهِ كَالْحُرِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا حَقَّ لَهُ فِي كَفَالَتِهِ لِنَقْصِهِ وَأَنَّهُ سَيَعُودُ إِلَى الْمَنْعِ في غير زمانه وعلى كلى الْوَجْهَيْنِ لَوْ شَارَكَهُ الْحُرُّ فِي الْتِقَاطِهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ لِكَمَالِهِ عَلَى مَنْ قَصَّرَ عن حريته.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَنَصْرَانِيًّا فِي مِصْرٍ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ دُفِعَ إِلَى الْمُسْلِمِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا اشْتَرَكَ فِي الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمَنْبُوذِ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ أَوْ حُكْمُ الْكُفْرِ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ فَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِكَفَالَتِهِ وَهَكَذَا لَوْ تَفَرَّدَ الْكَافِرُ بِالْتِقَاطِهِ نُزِعَ مِنْ يَدِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ فِي بَدَنِهِ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ وَفِي دِينِهِ أَنْ يَفْتِنَهُ وَفِي مَالِهِ أَنْ يُتْلِفَهُ لِأَنَّ عَدَاوَةَ الدِّينِ تَبْعَثُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ جَرَى عَلَى الْمَنْبُوذِ حُكْمُ الْكُفْرِ فَإِنِ انْفَرَدَ الْكَافِرُ بِالْتِقَاطِهِ أُقِرَّ فِي يَدِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَلِي عَلَى الْكَافِرِ وَإِنِ اشْتَرَكَ فِي الْتِقَاطِهِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَعَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي إِقْرَاعِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا اشْتَرَكَا فِي الْتِقَاطِهِ يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَيَكُونُ فِي يَدِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وعلى مذهب أبي علي بن خيران يُسَلَّمَ إِلَى الْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ لِأَنَّ كَفَالَةَ الْمُسْلِمِ أَصْلَحُ وَلِمَا يُرْجَى لَهُ بِاعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَمِيلَ إِلَيْهِ.